الفقه:الادارة

اشارة

نام كتاب: الفقه، الإدارة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: شيرازى، سيد محمد حسينى

تاريخ وفات مؤلف: 1422 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 1

تاريخ نشر: ه ق

[الخطبة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ و الصلاة و السلام على أشرف خلقه سيدنا محمد و على آله الطيبين الطاهرين، و اللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

الفقه، الإدارة، ص: 2

-

المقدمة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

نذكر في هذا الكتاب: (الفقه: الإدارة) بعض الكليات المستفادة من الأدلة الأربعة، و بعض الصغريات الخارجية لتلك الكبريات، و الله المسئول أن يقرنه برضاه، و يجعله مقدمة لتطبيق الإدارة الصحيحة المنطبقة على الشريعة المقدسة، و هو المستعان.

قم المقدسة 16/ رمضان/ 1408 ه-

محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي

-----------

[بعض الكليات المستفادة من الأدلة الأربعة، و بعض الصغريات الخارجية لتلك الكبريات]

تعريف الإدارة

مسألة: الإدارة أجوف، واوى من دار يدور دورا و دورانا، بمعنى تحرك، و عاد إلى حيث كان، و أدار باب إفعال، منه كان المدير يدير الأمر فيرجعه دورات و دورات إلى حيث ما بدأ، و لا يلزم أن يكون الأمر على نحو دائري بما يخط بالبركان، و إن كان هو أيضا منه، و الدار تسمى دارا لإدارة الحائط عليها، و هو غير البيت الذي هو عبارة عن البيتوتة، و إن كان كل واحد منهما يطلق الآخر، و من الواضح أن المداراة ليست من هذه المادة، بل هي من درى ناقص يائي، و إن كانت المداراة من صغريات إدارة في المجمع بينهما، إذ بينهما عموم من وجه لتفارقهما في الإدارة بلا مداراة، و في المداراة بدون الإدارة، و ما في الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) من الأمر بمداراة الناس، يراد بهم من الأعم من الإدارة و غيرها.

و فرق بين المدير بالياء، و المدبر بالباء، فالأول من يدير، و الثاني من يرى دبر الأمور، أي خلفها، و كأنه لذا لم يطلق على الله سبحانه، بينما أطلق عليه المدبر- بالباء فالله لا يدير، بل يكون، بينما الإنسان يدير، لا أنه يكون، و يمكن أن عدم الإطلاق لأمر آخر لسنا بصدد

تفصيله الآن.

ثمّ أن الإدارة الناجحة بحاجة إلى نفسية قابلة، فإن قابليات الناس تختلف في جميع الأبعاد، و من كل الحيثيات، و هي و إن كانت قابلة لشي ء من

الفقه، الإدارة، ص: 3

الترقي إلا أن الفرق بينها كالفرق بين الأرض الخصبة و النشاشة، و إلى علم بالإدارة، فالعلم كالنبات الذي يزرع في الأرض و إلا فمجرد قابلية الأرض بدون الإنبات لا تأتي بالثمر و إلى الممارسة، فإنها هي التي تجعل العلم في محك التجربة و هذا العلم كفيل بالأمر الثاني، أما الأول فهو خارج عن طوق الإنسان، و الثالث مرتبط بالعمل.

ثمّ أن الإدارة عملية بين طرفين المدير من جانب و العمال بالمعنى الأعم من جانب آخر لتنفيذ عرض معين، و هذا يشمل الإدارة الحسنة أو السيئة، فالإدارة الحسنة هي التي تكون وفق المتطلبات الاجتماعية السليمة، بينما الإدارة السيئة ليست كذلك، من غير فرق في ذلك بين الإدارة السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو العسكرية، أو الثقافية، أو غيرها.

و من المعلوم أن ما ذكرناه ليس إلا شرح الاسم، و ليس بحد و لا رسم، و إنما القصد الإلماع إلى ما في الذهن من معنى الإدارة.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون المدير هو المالك في مثل المصنع أو غيره.

(الحاجة إلى الإدارة الفعالة)

و لا يمكن لأي شي ء يحتاج إلى الإدارة أن يكون ناجحا و يسير إلى الامام بسلامة و اتساع إلا إذا كانت له إدارة نشطة فعالة، فإن البقاء و النجاح و الإطراد تتوقف على قدرة الإدارة و مهارة المدير، فكفاية الحكومة، و حسن المستوى الاجتماعي، و تقدم الاقتصاد، و ما أشبه، كلها تقع على الإدارة، فإذا كانت حسنة سارت الحكومة بسلام، و أنتج الاقتصاد أفضل المنتجات و

الخدمات، وساد الاجتماع أفضل العلاقات الاجتماعية، و إذا كانت متوسطة أو سيئة، كانت النتيجة تابعا لها، فإن فاقد الشي ء لا يعطيه.

و الإدارة الناجحة ليست عملا سهلا، بل هي على جانب كبير من الصعوبة، إذ الأمر بحاجة إلى حسن الابتداء، ثمّ الاستمرار الحسن، و كلاهما بحاجة إلى عشرات من المقومات، فالدخول في الميدان بدون دراسة كافية، أو بدون ملاحظة جوانب الأعمال، أو بدون ملاحظة قوة المنافسة، أو التوسيع المخل مما هو خارج عن القدرة، أو إنماء المنشأ بسرعة غير لائقة، أو عدم أخذ الاحتياطات اللازمة للتغيرات المفاجئة أو

الفقه، الإدارة، ص: 4

غير ذلك، كلها من سوء الإدارة، و من المستحيل أن يعطي الإدارة السيئة النتائج الحسنة، و العكس صحيح أيضا.

( (الإدارة علم و فن و ذوق))

و الإدارة علم و فن فأيهما بدون الآخر يكون ناقصا، فالعلم عبارة عن مجموعة قوانين و نظريات و مبادئ يلزم على المدير استيعابها سلفا حتى يطبق كل شي ء في موضعه، مثلا يلزم أن يعرف لزوم مسك السجلات و تسجيل كل وارد و صادر، و ضبط الوقت و معرفة الحد بين المبدأ و الهدف، إلى غير ذلك.

ثمّ يأتي دور الفن و هو ما يعتمد على الموهبة الشخصية و الخبرة العملية و المهارة الفردية، و استنباط طرق حل المشاكل و ما إلى ذلك، و منه يعلم أم من جعل الإدارة علما مجردا، أو فنا مجردا، لا يمكن أن يأتي له بدليل، فهو كما إذا جعلت الإدارة قوة الشخصية ذات البعد الإداري في النفس، باعتماد أن المديرين كانوا يديرون قبل ظهور علم الإدارة، فلا حاجة إلى العلم و لا إلى الفن.

و على أي فكما الطبيب الناجح بحاجة إلى العلم ليعرف المرض و علائمه و الأدوية، و إلى الفن

بأن يكون طويل التطبيق للعلم حتى يكون ممارسا مجربا، كذلك الإدارة.

إن الحياة تعتمد على التجارب مثل اعتمادها على العلم، فكون الإنسان شجاعا يعرف فنون الحرب، لا يجعله محاربا ناجحا إلا إذا خاض حروبا و خرج منها بسلام و عرف مواضع الخطأ و الصواب حتى يتجنب الأولى في المواضع المشابهة و ينجح إلى الثانية فيها.

و هذا ينطبق على الفقيه و السياسي و الخطيب و غيرهم و لذا ورد في الحديث قوله (عليه السلام): (اعتمدا في دينكما على كل مسن في حبنا كثير القدم في أمرنا) و قال الشاعر في بني العباس:

(فما لكم قَدَمَ فيها و لا قِدَمُ ...)

فإذا تطابقت النفسية الإدارية مع العلم و الفن حصلت الإدارة الناجحة.

(الممارسة الإدارية):

ثمّ أن الإدارة كما تقدم ممارسة، لا مجرد نظريات و آراء و فرضيات، فإن تبلور هذه لا تكون إلا بالممارسة أما من يملك هذه فقط بدون

الفقه، الإدارة، ص: 5

الممارسة فيصلح أن يكون مستشارا من الدرجة الثانية، إذ المستشار من الدرجة الأولى هو الذي مارس و تصاعد في عمله بالتجارب، و من قيل: (دع الطبيب و اسأل المجرب) فإنه و إن كان خطأ إذ المجرب بلا طبابة علمية لا يؤمن التطبيق الخطأ، مثلا أنه رأى وجع رأس ولد له و إن شفاه فإن العقار الفلاني، و إذا تمرض بمثل ذلك ولد آخر له أعطاه نفس العقار بينما يمكن أن يكون الأول صداعه من الحرارة فالعقار الفلاني دواء له، بخلاف الثاني، لإمكان كون صداعه من البرودة نفس ذلك العقار يزيده داءً.

و على أي، فالمدير الممارس بحاجة إلى صفات جسمية كالصحة و الطاقة المكافئة للعمل، و صفات عقلية من العلم و القدرة على تطبيق الصغريات على الكبريات، و

التمكن من البت و الحكم، و التقدير المناسب إلى غير ذلك، كما يلزم أن يكون حازما، كما قال الشاعر:

و أحزم الناس من لم يرتكب عملًا حتى يفكر ما تجنى عواقبه

(تحمل مسئولية الإدارة):

و يجب على المدير أن يستعد لتحمل المسئولية، و أن يكون له الولاء للعمل، فإن غير ذي الولاء لا يمكن أن يأتي بكامل الإنتاج، و أن يكون له الابتكار، إذ ليست الإدارة جموداً و جفافاً و إنساناً آلياً، بل بحاجة إلى خلاقة ذهنية تولد الابتكار في الوقت المناسب، إلى غير ذلك. و هذه الصفات- باستثناء الطاقة الجسمية تعتمد على الأمور الثلاثة المتقدمة، من النفس الخصبة ذات البعد الإداري إلى العلم و الفن، و من الواضح أن كلا من هذه الثلاثة قابلة للتغير ليضاعف الإنتاج، كالأرض الخصبة تُسمد، و العلم يتصاعد

و الفن يتقدم، و لذا فعلى المدير أن يكون دائم التطلع و الملاحظة إن في الحديث: (من ساوى يوماه فهو مغبون) و من كان أمسه خيرا من يومه فهو ملعون، و من لم يكن في زيادة فهو في نقيصة و من كان في نقيصة فالموت خير له من الحياة).

(صفات المدير المثالي):

الفقه، الإدارة، ص: 6

مسألة: يلزم أن يتوفر في المدير صفات لها أهميتها في التمكن من إيصال سفينة الإدارة إلى المقصد بسلام فإن الإدارة أمر ذو شعب طرف منها المدير و طرف منها العمال، أو من إليهم كمدير المدرسة، حيث أن طرف التلاميذ و المعلٌمين، و طرف منها الجوامد كالمصنع أو المدرسة أو ما أشبه ذلك، فالمدير يلزم عليه مراعاة كل من الطرفين على حده، و مراعاة الارتباط بين هذا الطرف و ذاك مثلا مدير المعمل يراعي المعمل حيث الرعاية لها شرائطها و خصوصيّاتها، و يراعي العمال و يراعي الارتباط بين المعمل و العمال، و إلا دخل في حديث رسول الله (صلى الله عليه و سلم): (لعن الله من ضيع من يعول).

فإنه و إن كان يلاحظ

لفظ (من) يشمل العنصر الإنساني فقط، إلا أن الملاك يوجب التعدي إلى العنصر غير الإنساني، و في حديث علي (عليه السلام): (إنكم مسئولين حتى عن البقاع و البهائم). و (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) فالحديث في الشمول بالنص للإنسان و بالملاك لها يرتبط به، و حتى إذا لم نقل بالملاك شمله العموميات و الإطلاقيات.

و على أي حال فاللازم في المدير أن يتصف بالصفات التالية، و كلما ضعفت هذه الصفات فيه كماً أو كيفاً ضعفت الإدارة، و العكس بالعكس، و هي:

1- أن تكون له القدرة التامة على التعبير عن نفسه تكلماً أو كتابةً، حتى يفض إلى الطرف بما يريد، فإن الإدارة بحاجة إلى بحر من الإقناع، و كلما كانت الإدارة أهم كان الإقناع محتاجا إليه أكثر، و بدون ذلك لا يتمكن المدير لا من إقناع رؤسائه إذا كانت له رؤساء و لا من إقناع مرءوسيه.

2- أن تكون له رغبة في البحث عن الحقائق، و استعداد للعمل بجد و إخلاص و تفاني في تأدية الواجب في مختلف أبعاد الإدارة، فإن من يركب رأسه و يتصور أنه على صواب ينكشف لديه بعد زمان أن الطريق كان موصلا إلى الفشل، و مهما كان الإنسان يرى صواب نفسه احتاج إلى البحث، أ ليس كل منا جرب مراراً انه كان مخطئاً في جهل مركب، ثمّ بالبحث و الفحص ظهر صواب آخر غير الصواب الذي زعمه، فاللازم أن يكون دائم البحث عن المسائل و المشاكل المتنوعة و إيجاد الحلول المناسبة لها.

3- أن يهتم بالوقت اهتماماً بالغا فإنه و إن قيل: أن الوقت من ذهب، لكن هذا مثال تقريبي و إلا فالوقت ثالث الأثافي في تقديم الأمم و تأخيرها،

الفقه، الإدارة، ص: 7

فالإنسان و العمل و الوقت إن استغلت استغلالًا حسناً أتت بالنتائج المرضية، و إلا كان الحصيل و الخيبة و الفشل، و قد قال علي (عليه السلام): (انتهزوا الفرص فإنها تمر مر السحاب).

و في حديث أخر: (الفرصة كثيرة الفوت، قليلة العود) إلى غير ذلك.

و قد صور أهمية الوقت هذا المثل الشائع الصيت، و إن كان فيه تنوع مبالغة و عنصر إغراق: (ذهبت الدولة ببولة) في قصة تنقل في سبب ذهاب ملك بني أمية بجهة غفلة، فترى أن المستشفيات مليئة بالمصدومين بسبب حوادث السيارات و الغالب أن لحظة زمنية قد لا تزيد عن الثانية هي التي أوجبت ذلك حيث غفلة السائق من السير المعتدل.

4- أن يكون لطيفاً و دودا محباً للآخرين مدارياً لهم، و في الحديث عن النبي (صلى الله عليه و سلم): (أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بتبليغ الرسالة) فالرسالة كلها في كفة و مداراة الناس في كفة، نعم إن الرسالة لا تطبق بدون المداراة، فإذا لم يكن للمدير ميل لمد اليد إلى الآخرين، و لا يسعهم بأخلاقه، و لا يتمكن من إنشاء العلاقات و إبقائها، و لا يستعد لكسب ودّ الناس و ثقتهم، لا بد و أن يعرف أنه يمشي في طريق الفشل.

و حتى إذا كان رئيس الدولة أسقطه الناس بالطرق الديمقراطية، إن كان البلد ديمقراطياً (استشارياً) و إلا فبالسلاح، إن الناس إذا لم يرضوا عن التاجر لم يتعاملوا معه، و إذا لم يرضوا عن إمام الجماعة لم يحضروا صلاته، و إذا لم يرضوا عن مرجع التقليد غيّروا تقليدهم و إذا لم يرضوا عن المدرس استبدلوه بغيره، و إذا لم يرضوا عن الوزير أو السفير أو المدير سعوا لإسقاطه، و أخيراً فإنه فرد، و

الناس جماعة، و الجماعة تتغلب على الفرد، و في الحديث: (يكف عنهم يداً واحدة و يكفون عنه أيادي كثيرة).

و المدير الذي فوقه رئيس أشكل، حيث أن توقعات رؤسائه يناقض توقعات مرءوسيه، فاللازم أن تكون له مهارة و براعة في ترضية الطرفين و تقريب و جهات نظرهم، و إلا فالسخط من جانب يوجب سقوطه و إن رضي عنه الطرف الآخر.

5- أن يكون تفكيره منظماً و عقله بارعاً في تحليل الأشياء و تصنيفها، فإن النظم و التصنيف العقليين أهميتها أكثر منهما في الأمور المادية، بل الأول في منزلة القائد و الثاني في منزلة المقود، و لذا ورد: (تفكير ساعة خير من عبادة سبعين ساعة).

الفقه، الإدارة، ص: 8

ثمّ أن كل ما نراه من آثار الجمال و الظرافة في مختلف أبعاد الحياة التي عملها الإنسان سواء في الحدائق أو الدور أو الشوارع أو المصانع أو الصنائع أو غيرها و غيرها، إنما هي من آثار جمال الفكر و نظام التحليلات الذهنية.

6- أن يكون له ميل طبيعي للاستفسار عن كل ما يحيط به، و التعمق في الإجابات المطروحة في الساحة، فلا يكتفي بالإجابات السريعة التي يأتي بها بادئ الرأي، و ذلك لا يكون إلا بأن يربي نفسه، على الدقة و العمق و التدبر في جوانب الأشياء ليظهر له الأقرب فالأقرب إلى الصواب.

7- ثمّ بعد الاستطلاع و الاستفسار يأتي دور أن يكون له قدرة على الاستفادة مما يجمعه من المعلومات بأن يتمكن من تحليلها و غربلتها و استخراج الصالح منها، و ربط بعضها ببعض، و ملاحظة الملائمة بين النتائج و الأبعاد الأخرى.

8- أن يكون بعيد النظر عند الدراسة سواء على الأشياء أو الأفراد، قادراً المقايسات الزمنية و العملية، و قد وصف

أحد أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الإمام (عليه السلام) بقوله: (كان و الله بعيد المدى) فإذا تمكن من ذلك لا يترك النفع الكثير المستقبلي لنفع قليل حاضر.

قال سبحانه و تعالى في وصف هكذا أناس: (إِنَّ هٰؤُلٰاءِ يُحِبُّونَ الْعٰاجِلَةَ، وَ يَذَرُونَ وَرٰاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا).

9- أن يكون حكمه على نفسه و على الآخرين حكماً متصفاً بالعدل و الإنصاف.

قال تعالى: (وَ لٰا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلىٰ أَلّٰا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ) فيتصف في أحكامه بالأمانة و النضج و الموضوعية و التعقل، و أن يكون بعيداً عن التحيّز و العنف و العاطفية و الأحكام العشوائية.

و أخيراً أن يكون مؤمناً بالله و اليوم الآخر، و إنما ذكرناه أخيراً، مع أنه أول، لأن الكلام في شروط الإدارة بصفة عامة و من الواضح أن كثيراً من المديرين يحسنون الإدارة بدون الإيمان، و إنما جعلناه شرط الإدارة، لأن حسب ما نعتقد نرى أن الضمير لا يكمل بدون الإيمان مهما كان ضمير الإنسان نقيا نظيفا محايدا، فهو في نظرنا من الشروط بل الشرط الأساسي في الأمر، بينما ليس بنظرهم شرطاً.

إن معرفة الإنسان أن الله رقيب دائم عليه بحيث: (من يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) و أنه يقول في يوم ما (مٰا لِهٰذَا الْكِتٰابِ لٰا يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لٰا كَبِيرَةً إِلّٰا أَحْصٰاهٰا وَ وَجَدُوا مٰا عَمِلُوا حٰاضِراً

الفقه، الإدارة، ص: 9

وَ لٰا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) توجب أن يعمل أحسن العمل و يتقن أفضل الإتقان و ذلك ما يحتاجه المدير في كل الأحوال.

و تنتهي هذه المسألة بكلمة للإمام السجاد (عليه الصلاة و السلام) و هي و إن كانت عامة شاملة للمقام و غير المقام إلا أنها منطبقة

على المقام من أنه صغريات تلك الكلية قال (عليه السلام): (و أما حق الخليط فإنما لا تغره، و لا تغشه، و لا تكذبه، و لا تغفله، و لا تخدعه، و لا تعمل في انتفاضة عمل العدو و الذي لا يبقى على صاحبه، و إن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك و علمت أن غبن المسترسل ربا و لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ) و الجملة الأخيرة من الكلمة المباركة مأخوذة من كلام رسول الله (صلى الله عليه و سلم) في كلمة تروى عنه حيث قال: (غبن المسترسل سحت) فمن استرسل إلى الإنسان و اعتمد عليه فغبنه الإنسان مما أخذ من ماله بسبب هذا الاسترسال كان ذلك المال من أشد أنواع الحرام الذي يسمى باللغة الإسلامية بالسحت. فإنه و إن كان الغبن مطلقا حراما إلا أن غبن المسترسل أسوة، لأنه وثق من الإنسان، فبدّل ثقته إلى عنوان.

( (المواصفات العامة للإدارة)):

(مسألة): الإدارة يجب أن تكون مرنة فإن الإنسان لم يخلق من الحجر و الشجر حتى يتمكن الإنسان من المعاشرة مع البشر بالعنف و الشدة بل الإنسان خلق من عصب، و لحم، و دم، و عقل، و عواطف، و مثل ذلك يحتاج إلى المرونة الكاملة حتى يتمكن المدير من الإدارة الصحيحة، فإن الإنسان يتمكن أن يأخذ منشاره و يدخل البستان و يقطع ما شاء من الزوائد من الأغصان و الأشجار و نحوها، كما أنه يتمكن أن يأخذ فأسه و يدخل في بناء

و يحطم ما يشاء، لكن هل يتمكن الإنسان أن بفعل مثل ذلك لإنسان مثله، هذا ما لا يمكن إطلاقاً، و لذا فالواجب على الإدارة أن تكون مرنة و المدير الناجح هو المدير الذي يكون مرنا و عليه فاللازم على المدير

الناجح أن يلاحظ هذه البنود الآتية:

الأول: التعاون، فإن التعاون بين المدير و مرؤسيه كالتعاون بين المدير و عامليه، و بين العمال من أي قسم من أقسام الإدارة كانوا بسبب القوة و التقدم مأخوذاً من مبدأ (الاتحاد قوة) و هذا المبدأ يؤكد الحاجة إلى العمل الجماعي و كيفية الاتصال في الأصول.

الفقه، الإدارة، ص: 10

قال سبحانه (تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ).

الثاني: المساواة، فإن اللازم على المدير أن يجعل المساواة الكاملة نصب عينيه بالنسبة إلى العمال المتساوين، لا أن يرجح بعضهم على بعض في أية من الامتيازات، فإن الترجيح يوجب التفكك و ابتعاد القلوب مما يسبب ضعف الإنتاج فاللازم على المدير الناجح الحصول على ولاء مرءوسيه من هذه الناحية حتى يتفانوا في العمل و ذلك مزيداً من العطف و العدل و الإحسان عند التعامل معهم، و ليس معنى المساواة جعل غير المتساوين متساوين، بل معناه جعل المتساوين متساوين، و إلا فجعل غير المتساوين متساوين ظلم و إجحاف بحق المتفوق.

الثالث: استقرار العملة، بمعنى أن لا يكون المدير يخرج هذا تارة و يدخل ذاك أخرى حتى يسقط الاستقرار، فإن غير المستقر من العمال لا يخدم العمل بمثل المستقر بغير فرق بين أن يكون ذلك من المعمل، أو المصنع، أو المدرسة، أو الوزارة، أو غيرها، فإن عدم الاستقرار راجع إلى سوء الإدارة و الضيق في المدير.

الرابع: المبادرات بأن يفسح المدير أمام المرءوسين المجال ليتمكنوا من تطبيق أفكارهم، و مبادئهم و ابتكاراتهم، فإن كثيرا من المرءوسين عندهم ابتكارات و نفسيات صالحة للارتفاع، فإذا رأوا أمامهم المجال مفتوحا تمكنوا من التقدم و التفوق، بعكس ما إذا لم يفسح المدير المجال أمامهم حيث أنهم يبقون في

درجة متأخرة و تموت كفاءاتهم، و ابتكاراتهم، بالإضافة إلى أن صاحب النفسية الرفيعة و الابتكار إذا لم يجد المجال أمامه مفتوحاً لم يهتم بالعمل و لعل من أسرار جمود كثير من الأحزاب الإسلامية و غير الإسلامية في العالم الثالث بصورة عامة عدم رعاية هذا المبدأ، حيث أن الأفراد المنظمين يشعرون بالغبن بالتشكيل الهرمي الذي يجعل من الرئيس رئيساً دائماً و من الطبقة المتوسطة طبقة متوسطة دائماً و من القاعدة قاعدة دائماً، فالأفراد يزهدون في العمل لأنهم لا يرون أمامهم المجال مفتوحاً و كثير منهم يرى نفسه أفضل من الوسط أو أفضل من القمة بينما يجب أن يطيع أما غير المنظمين من الأفراد الخارجيين فإنهم لا يلتحقون بالتنظيم، لأنهم يزهدون في هذا الشي ء الذي يرونه جامداً، و يقتل إبداعات و ابتكارات أفراده، فيبقى الحزب جامداً من الداخل و الخارج، و الحزب الذي يكون جامداً، داخلًا و خارجاً لا يصعد إلى المدرج المتوخاة، بينما نرى العكس. من ذلك في الأحزاب فيما يسمى بالعالم الحر، حيث أن

الفقه، الإدارة، ص: 11

القرد يصعد حسب كفاءاته و إن التحق بالحزب بعد مدة من الزمن، فكل منظم يجد المجال أمامه مفتوحاً للترقي، فيعمل غاية ما في وسعه و يخدم العزل و الاجتماع و تظهر كفاءاته، و كأنه مطارد في العمل، كما أن الأفراد غير المنظمين يرون المجال أمامهم مفتوح إذا انضموا إلى الحزب، فينضمون بهدف الترقي و التقدم.

الخامس: تقسيم العمل، بأن يكون المدير قادراً على جعل الإنسان المناسب في المكان المناسب، و هذا هو المعبر عنه بالتخصيص أو التخصص من غير فرق بين أن تكون الإدارة خاصة أو عامة، فنية أو خدماتية أو في القطاع الحكومي، و اللازم على المدير

أن يجعل كل فرد في المكان المناسب له، فالفرق غير مناسب إن كان أرفع إن هدمت كفاءاته، و اندثرت، و ذلك خسارة في الإدارة و في الحياة في صورة عامة، إن كان أخفق، لم يتمكن من العمل حسب مقامه، لأنه ليس كفؤاً له، و بذلك يضيع العمل، فعدم التقسيم بين ضياع العمل، أو ضياع الفرد، و بالأخرى كليهما ضياع الفرد و ضياع العمل معاً.

السادس: السلطة و المسئولية، فعلى المدير أن يعرف أن السلطة بقدر المسئولية و المسئولية بقدر السلطة، و هذا ما يعبر عنه بالحق و الواجب، فإن السلطة و المسئولية مرتبطتان ارتباطاً عضوياً، و المسئولية تتبع السلطة و تتدفق منها، كما أن السلطة مزيج من السلطة الرسمية المستمدة من مركز المدير، و السلطة الشخصية التي تتكون من الذكاء، و الخبرة، و القيمة الخلقية، و الخدمات السابقة، و التجارب، و ما أشبه ذلك، فالمسلط غير المسئول كما أن المسئول غير المسلط لا يتمكن أن يسير بالإدارة إلى شاطئ السلام.

السابع: مراعاة النظام، و معنى ذلك احترام الاتفاقات و النظم و الأوامر، و عدم الإخلال بشي ء من القواعد الموضوعة للإدارة، و هذا المبدأ يستلزم وجود رؤساء قديرين في كل المستويات الإدارية، فإنه إذا أختل النظام انهدم كل شي ء و عادت الإدارة من السيئ إلى الأسوأ، إلى حد الاضمحلال، و في كلام علي (عليه الصلاة و السلام): (نظم أمركم) كما في الآية الكريمة: (مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ). و من الواضح أن الوزن يلازم النظام في الأمور المعنوية، كما أن في الأمور المادية الوزن يلازم التقدير الصحيح.

الثامن: الترتيب، و هذا تابع تلقائياً للنظام، و الترتيب ينقسم إلى الترتيب المادي و الترتيب الاجتماعي، بمعنى أن يكون هناك مكان معين لكل

شي ء

الفقه، الإدارة، ص: 12

و لكل شخص، و يكون كل شي ء و كل شخص في مكانه الخاص به، فإن البعثرة في الأفراد كالبعثرة في الأشياء توجب تحطم الإدارة كان قريباً أو بعيداً.

التاسع: تدرّج السلطة، بأن تكون سلسلة الرؤساء من أعلى الرتب إلى أدناها تسلسلًا صحيحاً، الا أن الرؤساء جاءوا إلى السلطة بسبب المحسوبية أو المنسوبية، كما نرى ذلك بالنسبة إلى الحكومات الثورية التي لا يلاحظ فيها إلا معايير الثورة، و بذلك تتحطم الإدارة تحطماً فظيعاً، و لذا نرى أن الثورات تبدأ بترحاب عظيم من المجتمع، ثمّ لا تزال في الضعف إلى حد الاضمحلال و السقوط، فترى أن الثوري يأتي إلى الإدارة بمن هو صديقه أو شريك سلاحه أو قريبه أو خليله في التنظيم أو ما أشبه ذلك، و من الواضح أن مثل ذلك لا يتمكن من الإدارة فتتحطم الإدارة، و بذلك يرتفع ضجيج الناس و يعملون لسقوط الثوار.

العاشر: وحدة التوجيه، بأن يكون كل مجموعة من الأنشطة التي لها نفس الهدف لها خطة واحدة و رئيس واحد، و هذا المبدأ يتعلق بالمنشأة، سواء كانت منشئة خدماتية أو معنوية أو حكومية أو غيرها و ليس الأمر مربوطاً بالعاملين.

الحادي عشر: وحدة السلطة الآمرة، و هذا مربوط بالعاملين، و هو غير العاشر، و معنى هذا أنه يجب أن يكون الموظف يحصل على الأوامر من رئيس أو مشرف واحد فقط، فإن تعدد الآمر و المشرف يوجب تبعثر الجهود و تحير العاملين، مثلًا المدرسة يجب أن يكون نظامها حسب سلطة واحدة، إلا أن جماعة في مقام السلطة يقررون كتاباً لهذا الصف، و جماعة أخرى يقررون كتاب آخر، هذا بالنسبة إلى وحدة التوجيه، أما بالنسبة إلى وحدة السلطة الآمرة فهو عبارة

عن مدير عام واحد يوزع المعلمين على الصفوف و يراقب حركاتهم و لا يراد بذلك في كلا الأمرين الوحدة الحقيقية، بل الأعم من الوحدة الاعتبارية أيضاً، كأن يكون هناك أفراد متعددون في مقام السلطة و التوجيه و الأمر لكنهم يوجهون و يأمرون بأكثرية الآراء.

الثاني عشر: خضوع المصلحة الشخصية للمصلحة العامة، فإن كان هناك مدبرين سواء كانوا رؤساء الحكومات، أو في المعامل، أو في المدارس، أو في القطاع الشخصي يقدمون المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، و هذا تبعثر في الجهود و عدم وصول إلى النتائج، فإذا تعارضت

الفقه، الإدارة، ص: 13

المصلحة الشخصية مع المصلحة العامة يجب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، أو التلاؤم بينهما، بحيث لا يضر بالمصلحة العامة.

الثالث عشر: ملاحظة المركزية أو اللامركزية في السلطة، فإن هناك قد تكون المركزية كما في الحكومات الوحدوية، و قد تكون اللامركزية كما في الحكومات المحلية مع الحكومات اللامركزية، و لكل منهما موضع لا يرتبط بالآخر و من ملاحظة الحكومات الوحدوية و الحكومات (الفدرالية) تظهر هذه الحقيقة.

الرابع عشر: مكافأة الأفراد و تعويضهم لا ماديّاً فحسب بل المعنوي أيضاً، و يجب أن تكون المكافئة للعاملين و طرق دفع أجورهم و إرضاء نفسياتهم عادلة و قادرة على تحقيق أقصى رضا ممكن لكل فرد من أفراد العاملين، و صاحب العمل و المدير يكون هو المسئول الأول عن مثل ذلك.

الخامس عشر: على المدير أن يكون قادراً على التخفيف من ثقل الروتين و اليأس الذي يكون كابوساً على قلوب العاملين، فإن الإنسان خلق متطوراً و تقدمياً، فإذا لم يلاحظ فيه هذه الناحية يكون قطعة من الجمود، و هل الجامد يتمكن من تقديم الحياة إلى الامام، و ذلك بسبب فشل الإدارة و ضعف

الإنتاج، و كثيراً ما ينتهي الأمر بالإدارة إلى السقوط، ثمّ أن من الواضح أن ما ذكرناه في هذه المسألة ليس جميع مبادئ الإدارة الناجحة، و إنما ذكرنا شطراً من تلك المبادئ، و على من يريد الاستقصاء فعليه بالملاحظة و مراجعة المفصلات.

الفقه، الإدارة، ص: 14

المدارس الإدارية

(مسألة) قد تشعبت المناهج الرئيسية للإدارة إلى عديد من المدارس الإدارية و لكل منها اتجاهها، و أهمها سبع مدارس، لكن الظاهر أنها تلتقي في جامع واحد هو القوانين العامة للإدارة الصحيحة، إذ كل ظاهرة في الحياة قد قرر لها الله قوانين عامة إذا سارت وفق تلك القوانين كانت الظاهرة بسلام، و إذا حادت عن تلك القوانين آلت إلى الخبال و الفساد، و نحن نذكر جملة من هذه المدارس لنرى كيف أنها تصب كلها في مصب واحد.

الأولى: المدرسة العملية للإدارة، و هذه المدرسة تبني تحققها على تجزئة الإدارة عن طريق تحرير وظائف المدير، و على الخبرة الطويلة مع الإدارة و مرافقها المتنوعة مما يستخلص منها حقائق و مبادئ تساعد على فهم و تحسين عملية الإدارة، و المدخل الأساسي لهذه المدرسة هو النظر أولا إلى وظائف المديرين من التخطيط و التنظيم و التشكيل و التوجيه و الرقابة و ما إلى ذلك، ثمّ استخلاص بعض الحقائق الجوهرية من المبادئ و القوانين العامة من هذه الوظائف للاسترشاد بها عند الممارسة و التطبيق.

الثانية: المدرسة التجريبية، و هذه المدرسة تهتم بدراسة تجارب المديرين الناجحين و المديرين الفاشلين التي تحدث في الإدارات الناجحة و الإدارات الفاشلة، فهي تحلل الإدارة عن طريق التجارب لغرض الوصول إلى عموميات لنقل هذه الخبرة و التجارب للدارسين و الممارسين، و يقوم هذا على أساس افتراض أنه بدراسة تجارب المديرين الناجحين و بدارسة

الأخطاء التي تحدث عند الإدارة، و بمحاولة حل مشكلات معينة يمكن للدارسين و الممارسين التعرف و الإلمام بكيفية تطبيق أفضل الأساليب الفنية فعلياً في المواقف المتشابهة أو المتقاربة.

الثالثة: مدرسة السلوك الإنساني، و تقوم هذه المدرسة لتحليل الإدارة على فكرة أساسية مفادها أنه حيث أن الإدارة تنطوي على تنفيذ الأشياء مع الأشخاص، و من خلالهم فان دراستها يجب أن تتركز على العلاقات الشخصية.

و هذا ما يطلق عليه مدخل العلاقات الإنسانية، أو مدخل القيادة أو العلوم السلوكية أو ما أشبه و هذه المدرسة تتركز على الجانب الإنساني للإدارة، بمعنى أن الناس حيث يعملون مع بعضهم البعض كجماعات لغرض تحقيق أهداف الجماعة، فمن الضروري أن يفهم الناس بعضهم البعض،

الفقه، الإدارة، ص: 15

و كلما كان هذا الفهم أحسن تكون النتائج أفضل، و من الواضح أن المدرسة الثانية اقتنعت بجزء من المدرسة الأولى، و هذا الجزء غير كاف في مهمة الإدارة، كما أن المدرسة الثالثة لا تفي بمهمة الإدارة وفاء كافيا، إذ بين العلاقات الإنسانية و الإدارة عموم من وجه على اصطلاح المنطقيين، فجانب من العلاقات الإنسانية لا ترتبط بالإدارة، كما أن بعض مهمات الإدارة لا ترتبط بالعلاقات الإنسانية أنه لا ينكر أن الإدارة تنطوي على السلوك الإنساني، كما أنه لا ينكر أن دراسة الأعمال الإنسانية المتداخلة، سواء كانت في بيئة الإدارة أو خارجها تعتبر هامة و مفيدة، لكن القول بأن ميدان السلوك الإنساني هو نفسه يعادل ميدان الإدارة غير تام، فانه ليس بينهما التساوي الكلي، بل و لا العموم المطلق، و إنما بينهما عموم من وجه، كما ذكرناه، فهما كالإنسان الأبيض و غيره؛ حيث بعض الإنسان أبيض و بعض الإنسان ليس بأبيض، و بعض الأبيض ليس بإنسان، فهل

يمكن أن يقتنع بأحدهما عن الآخر في التعريف به.

الرابعة: مدرسة النظام الاجتماعي و ينظر هذا إلى الإدارة كنظام اجتماعي و كنظام للعلاقات الثقافية المتداخلة بين أفراد المجتمع، و هذه المدرسة أساس علم النفس الاجتماعي، و تتعامل مع تحديد الجماعات الاجتماعية المختلفة، و علاقاتها الثقافية، بالإضافة إلى العمل على تكامل هذه الجماعات في نظام اجتماعي كامل، و كثيرا ما يحدث خلط بين هذه المدرسة و مدرسة السلوك الإنساني المتقدمة، نظرا لأن المدرستين تبعثان من تطور الفكر الإداري القائم على أساس العلوم السلوكية، لكن الفرق أن هذه المدرسة تنطلق من علم الاجتماع، و المدرسة السلوكية تنطلق من علوم الإنسان، و من الواضح أن العلوم الإنسانية جزء من العلوم الاجتماعية، و هذه المدرسة تولي اهتماما خاصا بالحاجة على التغلب على القيود المادية و الاجتماعية الخاصة بالفرد و بيئته، و ذلك عن طريق التعاون، و لذا جماعة من أتباع هذه المدرسة يستخدمون مفهوم النظام التعاوني، أو يصطلحون عليه بالتنظيم الرسمي، فهو نظام تعاوني لأشخاص قادرين على الاتصال ببعضهم البعض، و راغبين للمساهمة في العمل نحو تحقيق هدف مشترك، و نقد هذه المدرسة هو النقد المتقدم من أن هذا الطراز من الإدارة بينه و بين الإدارة عموم من وجه، فلا يمكن أن يكون أحدهما مساويا أو معرفا للآخر.

الخامسة: المدرسة الرياضية، و هي تتضمن النظر إلى الإدارة كعملية يمكن التعبير عنها في شكل رموز و علاقات رياضية، لأنه بواسطة النماذج يمكن التعبير عن المشكلة على أساس علاقاتها الأساسية، و على أساس الأهداف المختارة، و ليس من شك في أهمية المدخل الرياضي و فائدته الكبرى لأي ميدان من ميادين التحري و التقصي، فالمدخل الرياضي يجبر المحلل و الباحث على تحليل المشكلة و

مجالها كما يسمح باستخدام الرموز، و تحل محل البيانات المجهولة، و تقدم هذه المدرسة أداة قوية لحل أو تبسيط الظواهر المعقدة، و لكن من الواضح أن من الصعب النظر إلى الرياضيات باعتبارها مدرسة منفصلة عن الإدارة، فحتى بالنسبة للفيزياء و الكيمياء و الهندسة أو الطب حيث تظهر أهمية الرياضيات إنها لا تعتبر مدرسة قائمة بذاتها في كل ميدان من الميادين السابقة، و هكذا حال الإدارة، فالإدارة بحاجة إلى الرياضيات لكن ليست الرياضيات هي الإدارة على ما تقدم شبه هذا النقد في المدرستين السابقتين، و من الكلام في المدارس السابقة يظهر نقد المدرستين الآخرتين السادسة و السابعة، حيث تنظر المدرسة السادسة و هي:" نظرية القرارات" إلى تركيز الاهتمام

الفقه، الإدارة، ص: 16

بالقرارات الإدارية، بتقريب أنها هي العمل الحقيقي للمدير، فقرار ما ذا يجب تحقيقه و كيف هو؟ هي الصفة الجوهرية المميزة للمدير و من أشبهه فهي الإدارة في نظر هذه المدرسة، كما أن المدرسة السابعة و هي مدرسة (التحليل الاقتصادي و المحاسبة) التي تهتم اهتماما كبيرا للتكاليف و تتعامل مع المشكلات الإدارية المتعلقة بالأنواع المختلفة للتكلفة قصيرة الأجل، يرد عليها أيضا ما ورد على المدارس السابقة من أنها جزء من الدارة، و ليس كل شي ء.

الفقه، الإدارة، ص: 17

العنصر الإنساني في الإدارة

ثمّ أنه مهما قلنا في المدارس السابقة اللازم على المدير ملاحظة العنصر الإنساني في الإدارة، كأهم الأشياء، فيجب عدم إغفال هذا العنصر عند بناء هيكل المنظمة الإدارية، و ذلك لأهمية الدور الذي يقوم به الإنسان، فهو كالخلية الحية في جسم المنظمة يبعث الحياة و الحركة فيها، و كما هو ظاهر بأنه إذا أصيبت خلية أو عضو من أعضاء الجسم بمرض من الأمراض فإنها تسبب انهيار الأعضاء

الآخرين، كذلك الحال بالنسبة إلى الإدارة فان أي فساد أو فشل و عدم تعاون بين بعض موظفيه مع بعض بسبب انهيار المنظمة، و بالنتيجة انهيار الإدارة، و لهذا فانه مهما كان الهيكل التنظيمي سليما من ناحية تحديد المسئوليات و الصلاحيات و تقسيم الأدوار و العلاقات بين المناصب الإدارية المختلفة في المنظمة الإدارية، فان وجود العنصر البشري يؤثر تأثيرا كبيرا على الأعمال فيها، و على مدى تحقيقها لأهدافها و مدى فشلها أو نجاحها، و إذا أخذنا إحدى المنظمات و درسنا أسباب المشاكل التي تحدث فيها نجد أن بعض الخلافات و المشاكل التي تحدث في المنظمة ليست بسبب وجود عيوب، أو نواقص في قوانين، أو أنظمة المنظمة و الإدارة، و إنما بسبب وجود عوامل أخرى لا تدخل أحيانا في الحسبان وقت التنظيم، فتحدث المشاكل بسبب التفاوت في العادات و التقاليد و الثقافة و الأخلاق في الأفراد الذين نشئوا في البيئات المختلفة، و الحاجات و الأماني في الموظفين، و لذا فان على المدير الإداري أن يأخذ في الحسبان العادات و التقاليد و الأديان و المذاهب و اللغات و ما أشبه، التي قد تؤدي إلى نجاح المنظمة أو فشلها عند تصميم الهيكل التنظيمي للمنظمة الإدارية، فان المدير مهما كان لا يستطيع أن يلغي العادات و التقاليد غير المرغوبة بأوامر إدارية أو بالضغوط و ما أشبه، و إنما يتوجب أن يتخذ الخطوات الإيجابية لتغييرها، و ذلك عن طريق الشرح و الإقناع و المداراة و التشجيع المعنوي و المادي، و إعطاء المكافأة و غيرها من الوسائل، فعلى المدير أن يأخذ كل شخص بعين الاعتبار، فإذا لم يكن هؤلاء الأشخاص ملائمين للعمل التنظيمي الإداري المثالي، و إذا لم يكن الاستغناء عنهم ممكنا

أو جائزا فلا بد من تعديل المنظمة الإدارية لتتوافق مع مقدورا تهم و مواقفهم و حدودهم، و عليه فاللازم على المدير التعديلات على المبادئ التنظيمية الصحيحة في أضيق الحدود، و عليه التخطيط الدقيق لإزالة هذه الانحرافات، و كلما حدث تغيير في الموظفين

الفقه، الإدارة، ص: 18

و الخطة التنظيمية الإدارية المبنية على هذه الطريقة التي لها حظ وافر في المنظمة على المدير أن يكيف المنشأة وفق تغيرات العوامل المحيطة المختلفة الضرورية لاستمرار المنظمة الإدارية، و من الواضح أن مثل هذا الأمر بحاجة إلى أكثر قدر ممكن ما من التواضع لا للحق فقط، بل للهدف، فانه كثيرا ما يقول الطرف المشاغب زورا، فإذا أراد المدير أن يقابله بالمثل أو بأقل من المثل فاته الهدف، فعلى المدير أن يكون متسلحا بالتواضع العميق، بالإضافة إلى تسلحه بعدم الغرور و الأنانية، و ما أشبهها من الصفات التي أقل ما يحدث بسببها الفشل، و لذا كان من تعاليم القرآن الحكيم الرفيعة لإدارة الاجتماع قوله سبحانه: (خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ).

(رجحان الإدارة العملية):

و قال سبحانه في آية أخرى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدٰاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ مٰا يُلَقّٰاهٰا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ مٰا يُلَقّٰاهٰا إِلّٰا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) إلى غير ذلك من الآيات و الروايات و السيرة الطاهرة التي تصب كلها في هذا المصب تبين أن المدرسة الأولى (و هي مدرسة عملية الإدارة) هي أفضل المدارس كلها بالنسبة إلى الإدارة إن لم تكن هي المدرسة الوحيدة، الواجب الاتباع و الإدارات غالبا فيما يسمى بالعالم الحر تتبع هذه المدرسة:

أولا: تقدم هذه المدرسة القوانين الكفيلة باتباعها لحسن الإدارة، ثمّ تجعل التجارب ملحقة بتلك القوانين

مما يكون العلم و العمل جناحي الإدارة، و هما كافيان في الإدارة الحسنة.

و ثانيا: أن هذه المدرسة تقوم بمسح شامل لكل أفراد الإدارة أخذا من إدارة الدولة إلى الإدارات الصغيرة الخاصة.

و ثالثا: في ظل هذه المدرسة تستخدم إسهامات المدارس الأخرى للإدارة، ففي سبيل الوصول إلى أفضل إدارة ممكنة تستخدم أفضل مدخل بالنسبة إلى المشكلة المعينة، مثلا لو كان العمل يستلزم اتخاذ قرار يتعلق بعوامل مادية يمكن قياسها، فان المدخل الرياضي قد يكون مفيدا للغاية، أما إذا كان العمل يتعلق بالحوافز فمن غير الشك أن المدخل المناسب هو مدرسة السلوك الإنساني فإسهامات المدارس الأخرى في حسن الإدارة تدخل في إطار عملية الإدارة مما يوجب بقاء الإدارة و تقدمها باطراد.

الفقه، الإدارة، ص: 19

و رابعا: تشجع هذه المدرسة عملية الإدارة بتقديم المبادئ المشتقة من الحقائق الجوهرية أو من العموميات الإدارية و تقدم هذه المبادئ الأساس اللازم للبحوث الإدارية المفيدة كما تساعد على فهم الإدارة و تطبيقها.

و خامسا: سائر المدارس لا تكون مستوعبة لكل الجوانب الإدارية على ما عرفت فبعض تلك المدارس يكون على جانب من الفاعلية في العمل على توضيح الأهداف و تحديدها، لكنها لا تقدم إلا القليل من المساعدة على إعداد و تحضير الموارد لتحقيق هذه الأهداف، و بعض المدارس الأخر يكون اهتمامها مركزا على جانب تحقيق الهدف مع إجماله جانب تحديدها بينما تهتم مدرسة عملية الإدارة بكل من تحديد الأهداف و تحقيقها مما تكون هذه المدرسة مستوعبة لكل الجوانب المحتاج إليها في الإدارة الحسنة.

و سادسا: تعترف مدرسة عملية الإدارة إلى المهارة الإدارية، فمسألة تطبيق المعرفة تعتبر من الضروريات في الإدارة كما هو الحال في أي ميدان آخر من ميادين العلم، مثلا المعرفة بالطب أو الهندسة

لا تؤدي إلى أفضل طبيب أو مهندس، و لكن المعرفة مضافا إليها المهارة في التطبيق و الممارسة هي التي تؤدي إلى كل النتائج الصحيحة للطب و الهندسة المتكاملة، و كذلك بالنسبة إلى سائر العلوم و المعارف، و هذه المدرسة الإدارية هي التي تكون كذلك، بخلاف سائر المدارس التي فيها نقص من ناحية أو من نواحي كما تقدم الإلماع إلى ذلك ثمّ أن جانب القوانين و ان كان سهلا بالنسبة إلى الاستيعاب، لأنه علم كسائر العلوم محتاج إلى الدراسة التي يمكن تحصيلها في المعاهد و الجامعات، إلا أن جانب استخلاص الأخطاء و الاستقامات و التقدمات التي هي الجناح الثاني لهذه المدرسة صعب، فان ذلك بحاجة إلى المسايرة الزمنية خطوة خطوة و ملاحظة أن أي سلوك في أي نشاط من الأنشطة الإدارية أدى إلى الانهيار أو الاستقامة أو التوسع في الكم و الكيف، حتى يستخلص منها ما يفيد في مستقبل الإدارة الخاصة أو يكون قانونا عاما لفائدة كل الإدارات.

(أهمية الخبرة الإدارية)

(مسألة) المدير بحاجة إلى مؤهلات سابقة على الإدارة و مزامنة مع الإدارة، حتى يكون مديرا ناجحا يتمكن أن يسير بالمنشأة إلى الامام، منها:

الفقه، الإدارة، ص: 20

الأول: يحتاج المدير إلى مؤهل جامعي في إحدى التخصصات المرتبطة بالإدارة كالإدارة العامة، أو إدارة الأعمال، أو العلوم السياسية، أو العلوم الاقتصادية، أو المحاسبة أو ما أشبه ذلك، و من الواضح أنه كل ما كان المدير أكبر و يدير منشئة أضخم يحتاج إلى مؤهل جامعي أرفع.

الثاني: في البلاد الإسلامية حيث الصبغة العامة في البلاد هي الإسلام، فالمدير بحاجة إلى إلمام بالعلوم الإنسانية المحتاج إليها في كيفية الإدارة من الأخلاق الإسلامية في باب المعاشرة و المداراة، و التزاور و ما أشبه، و علم

الاجتماع العام بالسلوكيات الإسلامية و علم الفقه في الجملة، و علم النفس الإسلامي بأن يعرف نفسيات المسلمين و ما إلى ذلك، و هذا ليس خاصا ببلاد الإسلام، و إنما ذكرناه من باب أنه محل الكلام بالنسبة إلى هذه البلاد التي نعيش نحن فيها، و إنما كل مدير يعيش في بيئة خاصة دينية أو غير دينية بحاجة إلى معرفة الأجواء النفسية و الأخلاقية و الاجتماعية لتلك البيئة، و إلا لم يتمكن من التعايش مع الرؤساء و المرءوسين و من أشبه، ممن إدارته مرتبطة بهم و ذلك يسبب له فشلا ذريعا.

الثالث: الخبرة العملية، حيث يلزم توفر الخبرة العملية للمدير في مجال عمله، و ذلك لا يكون إلا بالتصاعد التدريجي في سلم تلك الإدارة، و لهذا نرى في البلاد الاستشارية (الديمقراطية) يصعد الموظف الحكومي من مدير الناحية إلى القائم مقامية إلى المحافظة الصغيرة ثمّ إلى المحافظة الكبيرة ثمّ إلى محافظة العاصمة، و هكذا بالنسبة إلى سائر الشئون، من غير فرق فلما ذكرناه بين الإداري الحكومي أو الإداري في القطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو العسكرية أو غيرها، فالخبرة العملية تساعد المدير في التعرف على الجوانب الإيجابية و السلبية في الإدارة و تفيده في وضع الأمور في نصابها، سواء عند قيامه بإجراء الدراسات و الأمور التنظيمية، أو بصب الهيكل الإداري، أو بالممارسة العملية.

الرابع: التدريب في مجال التنظيم و الأساليب المحتاج إليها المدير، فانه شرط أساسي بالنسبة إلى العاملين في هذه الأنشطة، فمن المستحسن بالنسبة إلى المدير تنظيم دورات تدريبية لعدة أسابيع أو لعدة أشهر، حسب صعوبة الإدارة أو سهولتها لاطلاع المدراء الجدد بالنسبة إلى أعمالهم الجديدة على كافة أعمال و نشاطات التنظيم

و الأساليب الهيكلية، و على كيفية القيام بإجراء الدراسات التنظيمية، و كيفية التعامل مع الرؤساء الإداريين، و مع الموظفين في الإدارات و الأقسام التي سيقومون بإجراء

الفقه، الإدارة، ص: 21

دراسات فيها، أو مع سائر الناس إذا كانوا مرتبطين بإدارتهم بسائر الناس، فان الدورات التدريبية لها مدخلية كاملة في إعداد المديرين لتسلم المناصب الجديدة، أو للسير بهم حسب المناهج المتغيرة في نفس الإدارة.

الخامس: يلزم مراعاة التخصص بالنسبة إلى الإدارة و العلوم العامة، و لا تنفع بالنسبة إلى الأمور المحتاجة إلى الاختصاص بالنسبة إلى المديرين الذين يتسلمون قسما يحتاج إلى الاختصاصات، فان الإدارة ليست كدكان بيع بسيط يريد البيع و الشراء فقط، و إنما هو اختصاص، فلا يكفي المدير الذي يريد إدارة مؤسسة اقتصادية، أو ثقافية، أو سياسية، أو ما أشبه، ذلك بالنسبة إلى إدارة غير ذلك العمل، كالسياسي يوضع مديرا لمؤسسة اقتصادية أو بالعكس.

السادس: إذا كانت المؤسسة مرتبطة بلغة أجنبية من حيث العمال أو الرؤساء أو سائر الناس الذين هم محل معاشرة المدير، فاللازم أن يكون المدير ملما بتلك اللغة، أما إذا كان له مترجم لا ينفعه في الإلمام بتلك الخصوصيات اللغوية التي يحتاج إليها المدير، و قد قيل قديما: (و كل لسن في الحقيقة إنسان).

و في الحديث: (من عرف لسان قوم أمن شرهم) و إنما ذكر الحديث الجانب السلبي لأنه غير معلوم للناس غالبا.

أما الجانب الإيجابي فهو واضح، و على هذا فتتمة هذا الحديث أنه (استفاد من خيرهم) فهو كالآية الشريفة المتعرضة للجانب السلبي الذي هو أهم الجانبين مما يتجنبه الإنسان.

قال سبحانه (لَيْسَ بِأَمٰانِيِّكُمْ وَ لٰا أَمٰانِيِّ أَهْلِ الْكِتٰابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ).

السابع: أن يكون دائم التفاوض و الاستطلاع و المطالعة في الكتب

المعنية بشأن إدارته، خصوصا في ظروفنا الراهنة التي يتصاعد العلم فيها بسرعة مذهلة، و هناك مجلات و جرائد و كتب خاصة تعني بالتصاعد الإداري مما يتخلف المدير من الزمن إن لم يكن دائم الاتصال بها.

(المهمات الإدارية و العلاقة بين الرئيس و المرءوس)

(مسألة) في وظائف المدير، المدير مكلف بعملين أساسيين:

الأول: بالنسبة إلى البيئة الداخلية، فإنه ستتأثر البيئة الداخلية بالمدير بالنسبة إلى مسئوليه، فإن المدير في منشأته يكون مسئولا عن البيئة التي

الفقه، الإدارة، ص: 22

سيعمل فيها بضمن مرءوسيه، أو مع الناس، إن كانت المنشأة مربوطة بالناس، و من ثمّ فإن المدير يجب أن يخلق الظروف التي تمكنه من القيام بالعمل بفاعلية، و كفاية، و تقدم، و اطراد، سواء في الجهة الكيفية أو في الجهة الكمية فاللازم أن يخطط المدير عمليات مرءوسيه و المرتبطين به في داخل بيته، و يختارهم، و يدربهم، لأن يتقدموا إلى الامام و ينظم علاقات العمل و يوجه عملهم و يقيس النتائج الفعلية بالمقدمات، و يرى الارتباط بين الأسباب و المسببات التي توجب قوة الإدارة و ما أشبه ذلك.

الثاني: بالنسبة إلى البيئة الخارجية، فإنه و إن لم يملك الخارج ملكا كما يملك الداخل فإن المدير لا يملك القوة التي تمكنه من التأثير على سياسة الحكومة، أو الظروف الاقتصادية، أو العلاقات الدولية، و العلاقات مع سائر المؤسسات المتشابهة، أو غير المتشابهة، مما تؤثر كل واحد منها في الآخر تأثيرا ما، كنه يملك التهيئة و الإرفاق و العمل على طبق العلاقات المتبادلة و ما أشبه ذلك، فيجب عليه أن يلاحظ ذلك بدقة متناهية، بل الدقة في البيئة الخارجية أهم من الدقة في البيئة الداخلية، فإن الإنسان إذا ملك شيئا تمكن من التصرف فيه كيف ما شاء، و إن كان بقدر،

حيث أن طرفه إنسان له عاطفة، لكن بالنسبة إلى البيئة الخارجية فإن ملك المدير محدود جدا، من غير الفرق بين أن يكون المراد بالمدير الحكومة أو المؤسسة الخاصة أو المؤسسة العامة، و من ذلك يظهر أنه يجب على المدير تصنيف الوظائف الإدارية بحيث يتمكن من تقسيم الأنشطة بين البيئة الخارجية و البيئة الداخلية، مثلا بالنسبة إلى المؤسسة الاقتصادية في البيئة الخارجية يكون التسويق و الإنتاج و التمويل و التخزين و ما أشبه من الأمور التي يجب على المدير القيام بها، و تختلف وظائف المشروع من منشئة إلى منشئة أخرى، و لكن وظائف المدير لا تختلف، بل هي مشتركة بينها جميعا، و من ثمّ، فإن على المدير وظائف عامة بالنسبة إلى الكل، و وظائف خاصة بالنسبة إلى البيئة الداخلية، أو البيئة الخارجية، و نحن نوجز:

أولا: أعمال المدير، ثمّ نفصل ذلك في مسائل مستقبلية، فإن الأعمال الرئيسية التي ذكروها للمدير خمسة:

الأول: التخطيط.

و الثاني: التنظيم.

و الثالث: التشكيل.

و الرابع: التوجيه.

الفقه، الإدارة، ص: 23

و الخامس: الرقابة.

أما الأول: الذي هو عبارة عن التخطيط، فهو عبارة عن اختيار الأهداف و السياسات و البرامج و الإجراءات التي يحتاج إليها المدير في تخطيطه للإدارة، و من الواضح أن كل ذلك للمؤسسة كوحدة واحدة تشعب إلى فروع كثيرة، و من التخطيط اتخاذ القرارات، لأن القرار ينطوي على اختيار بين البدائل، فإن أمام المدير دائما بدائل متعددة يمكن صرف النشاط في هذا البديل أو البديل الآخر، فاللازم أن يعرف أي البدائل أفضل من الجهة الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو من سائر الجهات، المرتبطة بالاختيار الأفضل، كما أن هناك مثلا السياسات المتعلقة بالسلطة أو الأسعار أو المنافسة أو المؤتمرات مع المؤسسات المتشابهة و نحو ذلك و كذلك

البرامج الخاصة بالإنتاج أو المراجعة الداخلية أو التمويل، أو الإجراءات التي تستلزم مناولة المنتجات و الأشخاص، و من المعلوم أن التخطيط و مسئوليته لا يمكن فصله عن الأداء الإداري، لأن كل المديرين تقع عليهم مسئولية التخطيط بغض النظر عن مستواهم الإداري، من غير فرق من أن يكونوا في قمة الهيكل التنظيمي أم في وسطه أم في آخر السلم، كما أن على المدير أن يلاحظ دائما احتمالات تبدل التخطيط بواسطة مفاجآت لم تكن في الحسبان، أو بواسطة أمور تظهر، و إن كانت في الواقع موجودة، لكن الإدارة كانت في غفلة عنها، فربما يخطط لأحد البدائل لأنه الأفضل ثمّ يظهر له أن غيره أفضل، أو يفاجأ الأمر بحرب أو انقلاب في البلد أو في الجوار، أو سيل أو زلزلة أو إضراب من العمال يسبب تجمد سير العمل، أو انحرافه، مما يضطر المدير من تغيير البديل إلى بديل آخر، أما إذا وقع الانقلاب في نفس البلد فالاضطراب يكون أكثر و الانتباه يجب أن يكون أسرع.

الثاني: التنظيم و ربما يطلق على التنظيم (سلاح الهيكل التنظيمي) أو يطلق عليه (علاقات السلطة الإدارية) و هو عبارة عن إنشاء هيكل مقصود للأدوار عن طريق التمييز و تحديد الأنشطة اللازمة لتحقيق أهداف المنشئة، و كل جزء منها على نحو أفضل، و تجميع هذه الأنشطة و تخصيص المديرين لكل مجموعة من هذه النشاطات و تفويض السلطة للقيام بهذه الأنشطة، و توفير أسباب تنشيط علاقات السلطة أفقيا و رأسيا في الهيكل التنظيمي.

و هذا الهيكل التنظيم ليس نهاية في حد ذاته، بل هو مرحلة من مراحل التقدم إلى نحو الهدف للمؤسسة و التنظيم يساهم مساهمة فعالة في نجاح

الفقه، الإدارة، ص: 24

المنشأة، و لهذا السبب

فإن تطبيق مبادئ التنظيم يعتبر على جانب كبير من الأهمية بالنسبة إلى الهدف، و من اللازم في الهيكل التنظيمي محاولة الأمرين معا:

الأول: حسن صورة التنظيم، بان يكون جميل المنظر.

و الثاني: أن يكون كفوا، بحيث يؤدي المؤدى المطلوب لسائر الأشياء الكونية، حيث لها مظهر و مخبر، فالإنسان مثلا له مظهر جميل بينما له مخبر هو عبارة عن القلب و الكبد و الكلية و ما أشبه ذلك، و لا يغني أحدهم عن الآخر، و إن كان المظهر ثانويا و المخبر أوليا و من الواجب أن يكون التنظيم مناسبا للعمل، كما أن الإدارات في هياكلها التنظيمية تشبه بعضها بعضا إذا كانت من قسم خاص كل المديرين عند ما يقررون تنظيم منشئة أو إدارة أو قسم يتبعون نفس الطرق المعروفة، بغض النظر عن كونه رئيسا لمجلس الإدارة، أو مديرا للإدارة أو رئيسا لقسم في القمة أو في القاعدة أو في الوسط، فإنه سيعكس الأهداف التي ينبغي الوصول إليها عن طريق تجميع الأنشطة المسئولة عنها، ثمّ يعهد بالبعض إلى مرءوسيه مع تفويضهم السلطة التي تلزمهم لتحقيق النتائج، و عليه أن يوفر التنسيق الضروري بين هذه السلطات من ناحية و بين نفسه، و بين تلك السلطات من ناحية ثانية و بين تلك السلطات و العمل الخارجي من ناحية ثالثة، و كل ذلك يقع في ضمن الهيكل التنظيمي المعبر عنه (بالتنظيم) في الاصطلاح الإداري ثمّ أن من اللازم في تنظيم الهيكل أن يكون وسطا بين الفضفاض و الضيق، فإن كل منهما يوجب عنتا و إرهاقا و عدم وصول إلى النتائج المتوخاة، و قد قال سبحانه (وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً).

و في الحديث: (خير الأمور أواسطها).

فإن الآية و الرواية كليتان تنطبقان على ما

نحن فيه أيضا، كانطباقهما على ألوف الصغيرات في جميع أبعاد الحياة، فإن التنظيم لو كان فضفاضا أوجب الفوضى و عدم تحدد المسئوليات، و إن كان ضيقا أوجب عدم تمكن الأفراد سواء من الرؤساء أو من المرءوسين من التحرك المريح و عدم ذلك وجب الضيق على الموظف مما يسبب عدم سير العمل نحو الهدف المرضي، و كثيرا ما يسبب العطب و الشلل و لا أقل من عدم اطراد التقدم، سواء في الجهة الأفقية أو الرأسية.

الثالث: التشكيل، و يقصد به تنمية الهيئة الإدارية على الوضع الصالح بوضع الإداريين في المراكز المختلفة التي يبينها الهيكل التنظيمي، و من ثمّ فإن هذه الوظيفة تستلزم بالضرورة تحديد المواصفات و المستلزمات

الفقه، الإدارة، ص: 25

اللازمة لكل من يتولى مركزا معينا مع تقييم المرشحين و اختيارهم و تدريبهم و التنسيق بينهم، مع تقديم الحوافز لضمان فاعلية الأداء فاعلية تنتهي إلى النتيجة المتوخاة.

ثمّ أن من اللازم أن لا يكون التشكيل في أول وضعه في الصيغة النهائية، إذ كثيرا ما يخطئ الحدس في التشكيل مما يستلزم التغيير حسب التجارب التي دلت على الصلاحية أو الإصلاحية، فإذا كان التشكيل مشدودا بقوة لم يتمكن المدير من التغيير المطلوب مثلا يجعل المدير العام مدير القسم الفلاني مديرا لمدة ثلاثة أشهر تحت التجربة و الاختبار، فإذا أحسن مدد المدة إلى ستة أشهر أو إلى سنة أو ما أشبه ذلك، حتى إذا أساء لم يكن مشدودا بمعاهدة لا يتمكن من نقدها، أو يقع في مشاكل مادية أو إدارية أو قانونية كان في غنى عنها لو حزم في أول الأمر، و جعل الأمر رجراجا ممكنا للشد أو الفصل.

الرابع: التوجيه، حيث من المعلوم أن التخطيط و التنظيم في حد ذاتهما

لا يؤديان إلى إتمام العمل على النحو المطلوب فمن الضروري توجيه الرئيس الإداري على الأنشطة المتعلقة بإرشاد المرءوسين و الإشراف عليهم ليطلع على سير الأعمال سيرا حسنا حسب المطلوب، و مطلوب التوجيه بسيط للغاية إلا أن أساليب التوجيه تكون معقدة على قدر كبير من التعقيد، حيث أن التوجيه عبارة عن توجيه إنسان لإنسان آخر و ذلك الإنسان كثيرا ما لا يستعد لقبول التوجيه إذا لم تكون العبارات المناسبة الملائمة و الإدارة الحازمة و المداراة الصحيحة، فالواجب على الرئيس الأعلى و كذلك على رئيس الأقسام سواء كان المدير في القمة، أو في القاعدة، أو في الوسط، إن يخلق في مرءوسيه فهما عميقا و تقديرا لمفاهيم المؤسسة و طريقها و أهدافها و سياساتها و نتائجها العائدة إليهم، أو إلى المجتمع، فإن الإقناع في باب التوجيه من أهم الأمور التي يجب مراعاتها لكل شخص في صد التوجيه سواء كان مديرا أو رئيسا أو واعظا أو مبلغا أو مرشدا دينيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو غير ذلك، كما أنه ينبغي على المرءوسين معرفة هيكل التنظيم و العلاقات الداخلية بين الأنشطة و الشخصيات و واجباتهم و سلطاتهم و تقع على الرئيس مسئولية مسترة تتعلق بتوضيح مهام المرءوسين و إرشادهم نحو الأداء الأفضل مع تحفيزهم للعمل بحماس و ثقة مما يخلق فيهم جوا من الاندفاع النفسي، ثمّ إن أساليب و طرق التوجيه التي يمكن للمدير استخدامها متنوعة، و تختلف حسب شروط الزمان و المكان و المرءوسين و غير ذلك، فلذا يجب على

الفقه، الإدارة، ص: 26

المدير الذي يريد التوجيه السليم الناجح أن يكون ملما بكل الأساليب البديلة مع القدرة على استخدام الأسلوب الصحيح، أما نتيجة التوجيه الناجح للمرءوسين

فهي تنمية أشخاصهم بالنسبة إلى المعرفة و المهارة و الخبرة و غير ذلك، فيكونون مدربين ناجحين و يقومون بعملهم بكفاءة نحو تحقيق أهداف المؤسسة، و لا يلزم أن يكون المدير نفسه موجها، و من الممكن أن يستخدم الموجه اللائق الملم بشئون الإدارة، كما أن على المدير في مسألة التوجيه أن يستفيد من كل الوسائل الممكنة كالدورات و المخيمات في الفصول المناسبة، و الفيديوهات و الأشرطة و الكتب و الجرائد و المجلات المعنية بهذا الشأن، و النشرات الجدارية و غيرها، و من غير المحتاج إلى الذكر أن التوجيه وجب أن لا يكون جافا و إلا كان ضرره أقرب من نفعه، كما أنه يجب أن لا يكون ثقيلا و جارحا لكرامة المرءوسين، و المرءوسون بحاجة إلى مكافآت في قبال التوجيه، سواء كانت مكافآت مادية كوجبة من الطعام أو ما أشبه ذلك، أو معنوية كالتحسين اللفظي أو الخطي أو غير ذلك.

الخامس: الرقابة، فالأعمال الأربعة السابقة لا تكفي في السير إلى الإمام، إذ الإنسان بطبيعته إذا لم يكن يعرف برقيب عليه لا يستقيم، إما لأنه يرى نفسه على حق في عدم العمل، إنه يرى الحق في الجانب الآخر، لكنه يسرق من الوقت و العمل أو غير ذلك كما هو الشأن في كل انحراف، و الرقابة تنطوي على الأنشطة التي تصمم لكي تجبر الأهداف و الأفراد على التمشي مع الخطط الموضوعة، و من ثمّ فهي تقيس الأداء و تصحح الانحرافات السلبية، و تؤكد الخطط و تسبب الحوافز للتقدم من جهة الكم و الكيف، و التخطيط يجب أن يسبق الرقابة، لكن الخطط وحدها لا تكفي لأنه لا يمكن أن تأتي بالنتائج ذاتيا بل ترشد المدير على استخدام الزمن لغرض تحقيق أهداف

محددة، و بعد ذلك يتم اختبار و مراجعة الأنشطة لتحديد مدى اتفاقها مع العمل المخطط، أي أن الأداء الفعلي يقيم عن طريق مقارنة النتيجة بالمعيار السابق و وضعه، و تكون الرقابة سببا لتصحيح مسار العمل من كلتي جهتي الكم و الكيف، و كثيرا ما تنتهي الرقابة إلى تغيير وسيلة الأداء لفرد أو أكثر فرد من المرءوسين أو المديرين المتوسطين، أو الذين هم في القاعدة و إعادة توزيع الواجبات و الحقوق و تعديل السلطات المفوضة و تغيير الخطة الإدارية و تعديل الأهداف و التزيد و التنقيص، فالرقابة مثل الترمومتر الذي يعين درجة الحرارة في الإنسان مما يسبب أن يعدل الإنسان حرارته إذا رآها على غير المستوى المطلوب

الفقه، الإدارة، ص: 27

بالزيادة تارة و النقيصة أخرى، كما أنه إذا رآها على المستوى المطلوب يحافظ على البقاء على ذلك بأن لا تزيد و لا تنقص، و كذلك حالة الرقابة بالنسبة إلى المؤسسات العامة أو الخاصة، الحكومية أو غير الحكومية.

ثمّ أنه تبين مما تقدم من الأعمال الخمسة أنه يمكن تقسيم الوظائف الرئيسية للإدارة إلى مجموعتين:

الأول: مجموعة الوظائف السابقة للتنفيذ، و تتكون هذه الوظائف من التخطيط و التنظيم و التشكيل، على ما بينا شرح كل واحد موجزا، و تعمل هذه الوظائف على تحضير الجهود و إقامة إطار للعمل يناسب الهدف المنشود.

أما المجموعة الثانية من الوظائف الرئيسية للإدارة، فهي المتعلقة بالتنفيذ، و تتكون من التوجيه و الرقابة، و هما وظيفتان تعملان على دفع الأعمال المادية و المعنوية اللازمة لتحقيق الهدف بواسطة جهود الآخرين، فهما كالقوى المحركة الضرورية لتقديم العمل إلى الامام من ناحية الكم و الكيف، و قد بكون من الضروري في بعض الأحيان في المرحلة الثانية إجراء تعديلات في

وظائف قبل التنفيذ، و هذان المرحلتان الرئيسيتان لا يتوقف أحدهما إلى الآخر كما لا يكون أحدهما بديل عن الآخر، أن نشاط التخطيط و التنظيم و التشكيل لا يتوقف عند ما يبدأ التوجيه و الرقابة، و كذلك التوجيه و الرقابة يكونان في عرض سير العمل، و الفارق هو الضعف و القوة في هذا الجانب أو ذاك الجانب.

و هذه الأعمال الخمسة على الشرط الذي ذكرناه يقوم بها المدير بغض النظر عن نوع المؤسسة أو نوع النشاط، أو المكان أو الزمان، أو غير ذلك، فرؤساء مجالس الإدارات و مديرو الإدارات، و رؤساء الأقسام، و رؤساء العمال، و مديرو المصالح الحكومية، أخذا من رئيس الدولة إلى الرؤساء الذين هم في القاعدة، و عمداء الكليات، و مديرو المطارات و القطارات و ما أشبه، كلهم بصفتهم يحتلون مراكز إدارية يؤدون نفس الشي ء من الناحية الإدارية، و إن كانت أنشطتهم تختلف حسب المنشئة التي يديرونها.

(مبادئ الإدارة و الأعمال الإدارية)

الأول: مبدأ الهدف، فإنه لا يمكن أن يوجد شي ء عقلاني إلا أن يكون هناك هدف يتوخى العقلاء من إيجاد ذلك الشي ء الوصول إلى ذلك الهدف، سواء كان في الأعمال الفردية أو الاجتماعية، و الأعمال الاجتماعية أولى

الفقه، الإدارة، ص: 28

بالاحتياج إلى الهدف لأبعادها عن العبثية، و من الواضح أن الإدارة لا توجد إلا لقصد شي ء مادي أو معنوي على اختلاف الجهات في كل من الماديات و المعنويات، من سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو عسكرية، أو عمرانية، أو زراعية، أو مصرفية، أو غيرها، و إذا كانت المنظمة تتكون من جملة من الوحدات الإدارية فإنه يحب أن تساهم تلك الوحدات في تحقيق ذلك الهدف الرئيسي العام لمنظمة، و تنصب الأهداف الصغار لتلك الأهداف كلها في

الهدف الكبير الذي وجدت المؤسسة لأجله، و يتم ذلك بتحديد الأهداف الفرعية الثانوية لتلك الوحدات، بحيث تكون الأهداف الفرعية متكاملة و متناسقة و تؤدي إلى تحقيق الهدف الرئيسي لتلك المنشئة، و يطلق على مساهمة الوحدات الإدارية في الوصول إلى الهدف الرئيسي للمنظمة اسم (مبدأ وحدة الهدف) و الهدف باصطلاح الفلاسفة هو الأول في التفكير و الآخر في العمل.

الثاني: مبدأ ضرورة التنظيم، فإنه إذا زاد عدد الأفراد في أي عمل عن فرد واحد وجب تقسيم العمل بينهم، و جعل كل فرد مسئولا عن جزء منه حتى لا يكون العمل فوضى، و الوصول إلى الهدف بعيدا، أو لا يمكن الوصول إلى الهدف أصلا.

الثالث: مبدأ الوظيفة، فإنه يجب أن يتم التنظيم الإداري لأية منظمة حكومية أو شعبية سواء فعالية أو عامة في فروعها الرئيسية أو الفروع الثانوية على أساس وظائف من نوع الأعمال المطلوب القيام بها، و ليس حول الأشخاص الموظفين، فإن الوظيفة غير الموظف، و إنما الموظف يقوم بالوظيفة، فالوظيفة هي الوحدة الأساسية التي ينكون منها كل تنظيم، و هو عبارة عن منصب أو عمل معين يتضمن واجبات و مسئوليات محدودة، و يجعل في قبال تلك الواجبات و المسئوليات الحقوق و يعين لها الأنشطة المعينة الموصلة إلى الهدف من تلك الوظيفة، و قد تكون الوظيفة مشغولة أو شاغلة، كما قد يكون الموظف مشغولا أو غير مشغول، و لا تتأثر الوظيفة بمن يشغلها من الموظفين، إذ أن القواعد الأساسية في الإدارة العامة تنص على أن الوظائف العامة تنشأ و تحدد حقوق و مسئوليات من يشغلها قبل أن يعين فيها أحد، و هي لا تتأثر بالشخص المعين عليها، فهي ثابتة رغم تقلب الموظفين عليها، و رغم أن الموظفين قد

يكونون أصحاب كفاءات رفيعة أو كفاءات متوسطة أو دون متوسطة، أمل الموظف فهو الشخص الذي يشغل الوظيفة بحقوقها و واجباتها، و للوظيفة غالبا شخصية حقوقية مرتبطة بالوظيفة، فالموظف ما دام في الوظيفة

الفقه، الإدارة، ص: 29

يكون مسئولا، بينما إذا خرج عن الوظيفة تكون المسئولية من شأن الموظف الذي يأتي بعد ذلك، مثلا رئاسة الوزارة إذا عقدت عقدا مع شركة أو مع فرد فإن رئاسة الوزارة هي طرق تلك الشركة، أو ذلك الفرد، سواء كان رئيس الوزراء زيدا أو عمرا، فإذا كان رئيس الوزراء زيدا كان هو المسئول و إذا خرج عن الوظيفة لم يكن عليه مسئولية.

و قد ذكرنا في الفقه: أن ذلك حيث يكون معاملة عقلانية و الشارح أمضى المعاملات العقلانية، و اللازم صحة ذلك، و لا يستشكل بأن مثل ذلك لم يكن في أول الإسلام، إذ قد تحقق في الفقه عدم الاحتياج إلى ذلك كما ذكرنا كل من الشهيد في المسالك، إلى السيد الطباطبائي في العروة، و على أي حال فالمعاملة قد ترتبط بالوظيفة و قد ترتبط بالفرد، و قد ترتبط بهما معا على نحو الشرط أو الجزء أو القيد، على تفصيل ذكرنا الفرق بينها في الأصول و الفقه مما لا حاجة إلى تكراره في المقام.

نعم في كل من الأقسام الثلاثة يجب حصول الشرائط العامة في المعاملة عدم الغرر و نحو ذلك.

الرابع: مبدأ التخصص، و كلما زاد التخصص زادت الكفاية و العكس بالعكس، فإن الكفاءات الإدارية رهينة بالتخصصات في الأفراد، و عند ما يقتصر عمل الموظف على نوع واحد من الأعمال و له تخصص فيه و يتفرغ له، فإن ذلك يؤدي إلى إتقانه و إجادته و قد قال الشيخ البهائي (ره): (غلبت كل

ذي فنون، و غلبني كل ذي فنّ).

الخامس: مبدأ وحدة التوجيه، فإنه يجب أن يكون للموظف، سواء كان رئيسا فوقه رئيس أو موظفاً عادياً فوقه رئيس توجيه واحد، سواء كان ذلك التوجيه الواحد من فرد واحد أو كان ذلك التوجيه.

جماعة يقطعون الأمور بالشورى فيتسلم هذا الشخص مديرا متوسطا أو مديرا في القاعدة أو فردا الأوامر و التعليمات من جهة واحدة، و يكون مسئولا عن أعماله أمام تلك الجهة، فان عدم وحدة الموجه يؤدي إلى الإخلال بالنظام و الفوضى سواء في الموظفين أو في الرؤساء، فإذا استلم الموظف أوامر من عدة رؤساء في آن واحد، و من الطبيعي أن تكون تلك الأوامر متعارضة فإن الموظف يضطرب و يرتبك و لا يستطيع التصرف في مثل تلك الحالات، و إذا تصرف حسب كلام هذا الآمر يكون مسئولا أمام الآمر الآخر و العكس بالعكس، و لذا فمن الضروري أن لا تكون هناك مبدأ تعدد الرئاسة، سواء الرئاسة العرضية أو الرئاسة الطولية.

الفقه، الإدارة، ص: 30

نعم في تصور عقلي يمكن أن يكون هناك رئيسان طوليان أو عرضيان لكن يكون حكم أحدهما مقدما على حكم الآخر إذا اجتمع الحكمان، كما يمكن أن تكون الإطاعة على النحو الكفائية، لكن ذلك خارج نطاق القوانين و المقررات العرفية، و إن كان تصويرا عقليا صحيحا في نفسه لكن بالآخرة يرجع إلى وحدة التوجيه أيضا و ما ذكر في المدير يصح في الموظف أيضا، فإن الموظف يجب أن يكون واحدا لا متعددا سواء وحدة شخصية أو اجتماعية، و إلا فكل يلقي بالمسئولية على الآخر و يقع نفس الارتباك و الفوضى، و هنا أيضا يصح الأمر على نحو الترتيب أو الكفائية لكن فيه المحذور السابق.

السادس: مبدأ عدم التدخل

فإن الضروري على المدير أن لا يتدخل في شئون الموظفين مما يؤدي إلى مضايقتهم و إنما يجب أن يكون التدخل بقدر متوسط بين الإفراط و التفريط، و إلا فضيق الموظف بعمله يوجب قلة الإنتاج و يقلل شعوره بالمسئولية كما يقلل اعتماده على نفسه، فإنه إذا رأى الموظف أن المدير يتدخل في كل صغيرة و كبيرة لا بد و أن ينسحب عن الميدان فالمدير هو الذي يتدخل في الخطوط العرضية، أما الجزئيات فيتركها للموظفين، و قد ذكر في أحوال الرسول (صلى الله عليه و سلم) أنه كان يحتفظ لنفسه بالمهمات، أما الجزئيات فكان يتركها للمسلمين فيعملون بها كما يشاءون و ذلك جمع بين القديم إلى الامام مما يقصده الرئيس أو المدير غالبا و بين حرية المرءوسين حتى لا يحسوا بضيق و ضنك و يسبب برودهم عن العمل مما يضر الهدف أخيرا.

السابع: مبدأ قصر الخط، و ذلك يقتضي بأن تختصر المراحل التي تمر بها الأمور قبل إبرامها إلى أقل عدد ممكن، فإنه كلما قلت المستويات و المراحل، و أحرقت العقبات التي تمر فيها المعاملات و الاتصالات بين الرئيس الإداري و بين أصغر موظف في المنشئة زادت الكفاءة و الفاعلية الإدارية، لأن الاتصالات في هذه الحالة تكون أسرع و تمر في طريق أقصر، و لا يكون هنالك مجال لتأخير المعاملات أو انحرافها أو البرود في الموظفين الذين يتلقون الأوامر و هذا مبدأ عام يأتي في كل الأعمال الإجرائية و يسمى أحيانا (بروتينية العمل) فإنها مضيعة للوقت و للمال و تعطيل عن الإنتاج، بالإضافة إلى تطرق الانحراف و الالتواء كلما زادت الوسائط و ابتعدت الخطوط، و قد جرب بعض العلماء ذلك في مثال خارجي، فأعطى أمرا سريا إلى زيد

و قال ليعطه إلى عمرو و هو بدوره

الفقه، الإدارة، ص: 31

يعطيه إلى بكر و هكذا فلاحظ أنه كلما ازدادت الأفراد ازداد الانحراف، فبينما قال مثلا هو في أول الخط:

(محمد يأتي إلى البلد يوم الخميس) تلقى الكلام من الأخير بعد الاستطلاع بأن عليا ذهب إلى الحج في العام الماضي مثلا، و هذا الكلام و إن كان مستغربا جدا و لعل فيه عنصر المبالغة إلا إنه مثال لمزيد من الانحراف كلما زاد الخط، و من الممكن أن يجرب الإنسان بنفسه هذا الشي ء فيصف عدة أشخاص و يسر في أذن أحدهم بشي ء، ثمّ يأمره بأن يقول للثاني، و الثالث، و الرابع و إلى أخير الخط، ليرى الانحراف الشاسع بين الأول و الأخير.

الثامن: مبدأ (تقابل المسئولية و السلطة) فالمسئولية عن عمل معين يلزم أن تقابلها السلطة الكافية لإنجاز ذلك العمل فتفويض الاختصاص يجب أن يقرن بتفويض السلطة المناسبة، فكلما كانت السلطة أوسع أو المسئولية أوسع أو كان بينهما عموم من وجه أورث ذلك خبالا و فسادا، فإن السلطة إنما توضع في يد الموظف، أو الرئيس الأعلى، أو المدير في الوسط، أو في القاعدة، و بقصد تحقيق غايات و أهداف مجددة سلفا و من ثمّ يصبح المأمور مسئولا عن تحقيق تلك الغايات و الأهداف و ليس من الصحيح أن يكون مسئولا عن أقل من سلطته، أو عن أكثر من سلطته، أو أن يكون بين السلطة و المسئولية العموم من وجه حيث يكون من كل جانب جهة سلبية و الالتقاء إنما يكون في الإيجابيات.

التاسع: مبدأ حصر المرءوسين، فإنه لا يستطيع أي رئيس إداري أن يشرف إشرافا كاملا إلا على عدد محدود من المرءوسين، و كلما كان الكيف أقوى يكون

العدد أقل، مثلا حدد بعضهم أن الإشراف يجب أن يتراوح بين ثلاثة أشخاص إلى ستة أشخاص للرئيس الإداري، أما للمشرف على العمال فإن يستطيع الإشراف على ثلاثين عاملا، لكن بعضهم قال: بأن الرئيس المشرف على العمال مما لا يحتاج الأمر إلى كيف يستطيع أن يشرف إلى ما يقارب خمسين عاملا، و لكن الظاهر أن التحديد غير مطرد، فإن ليس عدد مثالي للأشخاص الذين يكونون في نطاق الإشراف المناسب، بل يجب أن يحول نطاق الإشراف بالنسبة إلى اختلاف الرئيس و المرءوسين و نوعية العمل، فربما يكون الرئيس قويا يتمكن من الإشراف على عدد أكبر، و ربما يكون ضعيفا أو متوسطا، فإشرافه يكون على عدد أقل، كما أن المرءوسين يكونون بهذا الحكم أيضا، و إذا أريد قوة التدريب أو كان موقع الجغرافي موقعا غير مناسبا يلزم أن

الفقه، الإدارة، ص: 32

يكون الإشراف على عدد أقل، مثلا إذا كان المرءوسون موزعين على مناطق جغرافية بعيدة فإن الإشراف الفعال يكون على عدد قليل منهم، و كذلك بالنسبة إلى التيارات المضادة، فربما يكون هناك تيار مضاد أو تيارات مضادة بالنسبة إلى المرءوسين كما في كثير من الأحزاب و المنظمات و ما أشبه فالإشراف يكون على عدد أقل، بينما الإشراف يكون على عدد أكثر إذا لم تكن هذه الأمور

العاشر: مبدأ تفويض السلطة، فإنه يجب على المدير الأعلى تفويض السلطة إلى المديرين المتوسطين، كما أنه يجب تفويض السلطة منهم إلى المديرين في المستويات السفلى، ذلك بإعطاء الرئيس السلطات الإدارية إلى مساعديه و وكلائه و المديرين تحت يده، و هذا التفويض يجب أن يكون بقدر الحاجة لا أكثر حتى يفسد و لا أقل حتى يفسد، و يتحتم التفويض في حال وجود

وحدات إدارية بعيدة عن المركز الرئيسي للمنشئة، كرؤساء الأقسام في الولايات المتعددة، أو في الولاية الواحدة البعيدة عن المركز، و قد تقدم في مبدأ آخر وجوب التكافؤ بين السلطة، و الواجب من المسئولية.

ثمّ أن التفويض للسلطة قد يكون من الرئيس الأعلى و قد يكون من الرئيس المتوسط و أي منهما فوض السلطة يكون هو الذي يتمكن من استردادها أو تحديدها حسب القرار المقرر في منهاج الإدارة و من الممكن أن يعطي السلطة أحدهما و يجعل الحق للآخر في الاسترداد أو التوسعة أو التضييق.

الحادي عشر: مبدأ العلاقات الإنسانية التي يجب مراعاتها من المبادئ العالية كان رئيسا أو مديرا أو رئيس قسم أو غير ذلك، سواء بالنسبة إلى المديرين أو سائر الموظفين، و هي أمور كثيرة مثل مبدأ عدم توجيه الانتقاد إلى الموظفين أمام الآخرين، سواء كان زملاء أو مرءوسين أو غيرهم، و مبدأ عدم الحدة في الكلام معهم، و إنما يجب أن يكون الاقتراح في عبارات ملائمة مذكورة في علم الاجتماع،

0 السادس: مبدأ عدم التدخل عدم التدخل فإن الضروري على المدير أن لا يتدخل في شئون الموظفين مما يؤدي إلى مضايقتهم و إنما يجب أن يكون التدخل بقدر متوسط بين الإفراط و التفريط، و إلا فضيق الموظف بعمله يوجب قلة الإنتاج و يقلل شعوره بالمسئولية كما يقلل اعتماده على نفسه، فإنه إذا رأى الموظف أن المدير يتدخل في كل صغيرة و كبيرة لا بد و أن ينسحب عن الميدان فالمدير هو الذي يتدخل في الخطوط العريضة،

الفقه، الإدارة، ص: 33

أما الجزئيات فيتركها للموظفين، و قد ذكر في أحوال الرسول (صلى الله عليه و سلم) أنه كان يحتفظ لنفسه بالمهمات، أما الجزئيات فكان يتركها للمسلمين فيعملون بها

كما يشاءون و ذلك جمع بين التقديم إلى الامام مما يقصده الرئيس أو المدير غالباً و بين حرية المرءوسين حتى لا يحسوا بضيق و ضنك و يسبب ذلك برودهم عن العمل مما يضر الهدف أخيراً.

السابع: مبدأ قصر الخط، و ذلك يقتضي بأن تختصر المراحل التي تمر بها الأمور قبل إبرامها إلى أقل عدد ممكن، فإنه كلما قلت المستويات و المراحل، و أحرقت العقبات التي تمر فيها المعاملات و الاتصالات بين الرئيس الإداري و بين أصغر موظف في المنشئة زادت الكفاءة و الفاعلية الإدارية، لأن الاتصالات في هذه الحالة تكون أسرع و تمر في طريق أقصر، و لا يكون هناك مجال لتأخير المعاملات أو انحرافها أو البرود في الموظفين الذين يتلقون الأوامر و هذا مبدأ عام يأتي في كل الأعمال الإجرائية و يسمى أحياناً (بروتينية العمل) فإنها مضيعة للوقت و للمال و تعطيل عن الإنتاج، بالإضافة إلى تطرق الانحراف و الالتواء كلما زادت الوسائط و ابتعدت الخطوط، و قد جرب بعض العلماء ذلك في مثال خارجي، فأعطى أمراً سريا إلى زيد و قال ليعطه إلى عمرو و هو بدوره يعطيه إلى بكر و هكذا فلاحظ أنه كلما ازدادت الأفراد ازداد الانحراف، فبينما قال مثلًا هو في أول الخط:

(محمد يأتي إلى البلد في يوم الخميس) تلقى الكلام من الأخير بعد الاستطلاع بأن علياً ذهب إلى الحج في العام الماضي مثلًا، و هذا الكلام و إن كان مستغرباً جداً و لعل فيه عنصر المبالغة إلا أنه مثال لمزيد من الانحراف كلما زاد الخط، و من الممكن أن يجرب الإنسان بنفسه هذا الشي ء فيصف عدة أشخاص و يسر في أذن أحدهم بشي ء، ثمّ يأمره بأن يقوله للثاني، و الثالث،

و الرابع، و إلى أخير الخط، ليرى الانحراف الشاسع بين الأول و الأخير.

الثامن: مبدأ (تقابل المسئولية و السلطة) فالمسئولية عن عمل معين يلزم أن تقابلها السلطة الكافية لإنجاز ذلك العمل فتفويض الاختصاص يجب أن يقرن بتفويض السلطة المناسبة، فكلما كانت السلطة أوسع أو المسئولية أوسع أو كان بينهما عموم من وجه أورث ذلك خبالًا و فسادا، فإن السلطة إنما توضع في يد الموظف، أو الرئيس الأعلى أو المدير في الوسط، أو في القاعدة، و بقصد تحقيق غايات و أهداف مجددة سلفاً و من ثمّ يصبح المأمور مسئولًا عن تحقيق تلك الغايات و الأهداف و ليس من الصحيح أن

الفقه، الإدارة، ص: 34

يكون مسئولًا عن أقل من سلطته، أو عن أكثر من سلطته، أو أن يكون بين السلطة و المسئولية العموم من وجه حيث يكون من كل جانب جهة سلبية و الالتقاء إنما يكون في الإيجابيات.

التاسع: مبدأ حصر المرءوسين، فإنه لا يستطيع أي رئيس إداري أن يشرف إشرافا كاملا إلا على عدد محدود من المرءوسين، و كلما كان الكيف أقوى يكون العدد أقل، مثلًا حدد بعضهم أن الإشراف يجب أن يتراوح بين ثلاثة أشخاص إلى ستة أشخاص للرئيس الإداري، أما بالنسبة للمشرف على العمال فإن يستطيع الإشراف على ثلاثين عاملا، لكن بعضهم قال: بأن الرئيس الإداري يستطيع الإشراف على ما بين خمسة إلى عشرة، و الرئيس المشرف على العمال مما لا يحتاج الأمر إلى كيف يستطيع أن يشرف إلى ما يقارب خمسين عاملًا، و لكن الظاهر أن التحديد غير مطرد، فإن ليس عدد مثالي للأشخاص الذين يكونون في نطاق الإشراف المناسب، بل يجب أن يحول نطاق الإشراف بالنسبة إلى اختلاف الرئيس و المرءوسين و نوعية

العمل، فربما يكون الرئيس قوياً يتمكن من الإشراف على عدد أكبر، و ربما يكون ضعيفاً أو متوسطاً، فإشرافه يكون على عدد أقل، كما أن المرءوسين يكونون بهذا الحكم أيضاً، و إذا أريد قوة التدريب أو كان الموقع الجغرافي موقعاً غير مناسب يلزم أن يكون الإشراف على عدد أقل، مثلًا إذا كان المرءوسون موزعين على مناطق جغرافية بعيدة فإن الإشراف الفعال يكون على عدد قليل منهم، و كذلك بالنسبة إلى التيارات المضادة، فربما يكون هناك تيار مضاد أو تيارات مضادة بالنسبة إلى المرءوسين كما في كثير من الأحزاب و المنظمات و ما أشبه فالإشراف يكون على عدد أقل، بينما الإشراف يكون على عدد أكثر إذا لم تكن هذه الأمور.

العاشر: مبدأ تفويض السلطة، فإنه يجب على المدير الأعلى تفويض السلطة إلى المديرين المتوسطين، كما أنه يجب تفويض السلطة منهم إلى المديرين في المستويات السفلى، ذلك بإعطاء الرئيس السلطات الإدارية إلى مساعديه و وكلائه و المديرين تحت يده، و هذا التفويض يجب أن يكون بقدر الحاجة لا أكثر حتى يفسد و لا أقل حتى يفسد، و يتحتم التفويض في حال وجود وحدات إدارية بعيدة عن المركز الرئيسي للمنشئة، كرؤساء الأقسام في الولايات المتعددة، أو في الولاية الواحدة البعيدة عن المركز، و قد تقدم في مبدأ آخر وجوب التكافؤ بين السلطة، و الواجب من المسئولية.

الفقه، الإدارة، ص: 35

ثمّ أن التفويض للسلطة قد يكون من الرئيس الأعلى و قد يكون من الرئيس المتوسط و أي منهما فوض السلطة يكون هو الذي يتمكن من استردادها أو تحديدها حسب القرار المقرر في منهاج الإدارة و من الممكن أن يعطي السلطة أحدهما و يجعل الحق للآخر في الاسترداد أو التوسعة أو التضييق.

الحادي

عشر: مبدأ العلاقات الإنسانية التي يجب مراعاتها من المبادئ العالية كان رئيساً أو مديراً أو رئيس قسم أو غير ذلك، سواء بالنسبة إلى المديرين أو سائر الموظفين، و هي أمور كثيرة مثل مبدأ عدم توجيه الانتقاد إلى الموظفين أمام الآخرين، سواء كانوا زملاء أو مرءوسين أو غيرهم، و مبدأ عدم الحدة في الكلام معهم، و إنما يجب أن يكون الاقتراح في عبارات ملائمة مذكورة في علم الاجتماع، و مبدأ تنمية الموظفين، و مبدأ إشراك الموظفين في الرأي مبدأ عدم الترفع عليهم، و مبدأ قضاء حوائجهم، و مبدأ جعل المؤسسات لأجل حياتهم، مثل مؤسسة لزواج عذابهم و عزباتهم، و مؤسسة لإقراضهم، و مؤسسة لتهيئة السكن لهم، إلى غير ذلك مما هو كثير و سيأتي الإلماع إلى بعضها-.

الثاني عشر: مبدأ المرونة، فإنه يجب أن يكون التنظيم مرناً و قابلًا للتكيف حسب متطلبات الظروف المختلفة حتى يتمكن من مواجهة التغيرات التي تحدث داخل المنظمة أو خارجها، سواء كانت تغيرات بالحسبان أو المفاجات، كما أشرنا إلى ذلك في فصل سابق، دون الحاجة إلى إحداث تعديلات جوهرية على الهيكل التنظيمي للمنظمة، نعم قد يجب أن تكون المرونة بحيث يمكن أن يحدث تعديلًا جوهرياً أيضاً على الهيكل التنظيمي للمؤسسة، مثلًا إذا كانت المؤسسة مؤسسة لتخريج الأخشاب لكن الأخشاب شحت أو انقطع موردها أو ما أشبه ذلك احتاجت الإدارة إلى تغيير الهيكل التنظيمي من المؤسسة الأخشابية إلى مؤسسة تعليب الفواكه أو ما أشبه ذلك، و لذا نرى أن في حالة الحرب تتغير الهياكل التنظيمية لمعامل البضائع الاستهلاكية إلى معامل لصنع الأسلحة و بالعكس فيما إذا انتهت الحرب، و هكذا بالنسبة إلى الطوارئ التي توجب تغيير الهيكل التنظيمي بصورة عامة.

الثالث عشر: مبدأ الكفاءة،

فإن التنظيم يعتبر ذا كفاءة عند ما يتمكن من الوصول إلى الأهداف بأقل ما يمكن من التكاليف، و تكون النتائج حسنة مرغوبة في الاجتماع لتنظيم بالكفاية هو الذي يكون فيه تقسيم للسلطة واضح المعالم و تنفيذ سليم للمسئولية و اشتراك مع الكل في حل المشاكل و تكاليف أقل إلى الوصول إلى الهدف و هذا ليس بالشي ء السهل، و إنما

الفقه، الإدارة، ص: 36

يجب توفير جوانب متعددة ضاغطة حتى تتمكن المنشئة من السير بكفاءة و لياقة، مثلًا إذا كانت المنشئة تحتاج إلى نصف سيارة لنقل بضائعها إلى الزبائن، فاللازم اشتراك المؤسسة مع مؤسسة أخرى مشابها أو غير مشابها لاشتراك السيارة و تحملهما مع تكاليف السكن و الموقف و الوقود و سائر المنفقات المحتاجة من الضرائب الحكومية و ما أشبه، فإن ذلك يوجب الكفاءة، بينما إذا استبدلت المؤسسة بوحدها على تحمل هذه المسئولية يكون التكليف كثيراً، مما يؤثر على الإنتاج السليم فلا كفاءة بالآخرة لمثل هذه المؤسسة، و يقال مثل ذلك في مختلف الأبعاد.

الرابع عشر: مبدأ الصيانة، فإنه يجب على المدير الاهتمام الكافي لصيانة الأجهزة المرتبطة بالمؤسسة سواء كانت مطاراً أو قطاراً أو معملًا أو معهداً أو مدرسة أو دائرة حكومية أو غيرها بأن يحفظها من العطب أو الصرف أكثر مما ينبغي مما ينقص من عمرها العادي إذا لم تكن الصيانة الكافية، و ذلك يحتاج إلى الخبراء و الفنيين و المراقبة المناسبة و تخصيص رصيد لمثل ذلك.

الخامس عشر: الإتقان، فإن الإتقان سواء كان في قطاع الخدمات أو الوظائف أو الصناعة أو غيرها من أهم ما يسبب التفاف الناس حول المشروع و بذلك ينمو و يصل إلى الهدف المنشود فإن الدعاية مهما كانت قوية لا تسد حتى

عشر مسد الإتقان. ثمّ أن الإتقان هو الذي يوجب النمو لا الشكليات، فكما أن البيضة هي التي تفرغ و الحبة من الحنطة هي التي تنمو لا شكل بيضة أو الحنطة فإنه ليس لهما الفرخ و السنبل كذلك الإتقان، فإن الإنسان إذا ذم سلعته بأقذع الذم لكنه أتقنها التف الناس حولها و لا ينظرون إلى كلامه و دعايته المضادة، و لو لم يتقن و جعل لها أكبر الدعايات ينفض الناس من حولها و قد قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في الحديث المنسوب إليه: (رحم الله امرءاً عمل عملًا فأتقنه).

[البحث حول الأعمال]

(مسألة) تكلمنا في المسائل السابقة حول الإدارة (المضاف) و في هذه المسألة نتكلم حول (المضاف إليه) أعني الأعمال، لأن كتاب الإدارة إنما يتكون من (إدارة الأعمال) فكل واحد من الكلمتين بحاجة إلى الشرح و التوضيح و التحديد، و قد تقدم أن الإدارة بصفة عامة: نشاط متميز لصاحب كل عمل اجتماعي في منشآت عمالية أو مؤسسات دينية أو مؤسسات حكومية إلى آخر ذلك، و من الأعمال الأنشطة التي تبذل لإنتاج و توزيع السلع و الخدمات الضرورية لإشباع الحاجات و الرغبات الإنسانية أو مؤسسات حكومية التي يديرها المديرون، سواء كان يسمى وزيراً أو سفيراً أو مديراً

الفقه، الإدارة، ص: 37

عاما أو رئيس دولة أو عير ذلك، و على هذا فإن النشاط للأعمال نشاط اجتماعي يبذله جماعة من الناس يعملون معاً لتحقيق هدف مشترك ثقافي أو سياسي أو اجتماعي أو غير ذلك، فالأعمال تعتبر مؤسسة اجتماعية تشمل كل أنواع المؤسسات الاجتماعية سواء كانت مؤسسات اجتماعية عامة كالحكومة أو مؤسسات اجتماعية في أخص معناها كالحياة العائلية أو ما بين ذلك من المؤسسات على مختلف صورها

و أشكالها و أهدافها و أنشطتها، و الأعمال مثل غيرها من المؤسسات الاجتماعية تستخدم الموارد لتحقيق أهداف معينة، و لذا فإن الموارد تعتبر بمثابة الوسائل اللازمة لبلوغ النهايات المرغوبة التي يهدف إليها جماعة من الناس بغية الوصول إلى ذلك القصد، و من الواضح أن تحقيق الغاية المنشودة و الهدف المتوخى يتأثر بالمهارة في استخدام تلك الموارد التي تنتهي بسبب الأعمال و الأنشطة إلى تلك الأهداف و الغايات، و من الواضح أيضاً أن عملية الحصول على الموارد و استخدامها تتأثر تأثراً كاملًا بإطار عمل المؤسسات الاجتماعية و القوى التي تشكل و تحدد الطريقة التي ستستغل بها الموارد الممكنة، و قد قسم علماء الإدارة مجموع ذلك إلى أربعة أمور: و هي عبارة عن:

الأول: الموارد.

و الثاني: استخدام تلك الموارد.

و الثالث: إطار عمل المؤسسات الاجتماعية و القوى المؤثرة.

الرابع: الأهداف و العناصر التي يتوخى المجموعة من الناس الوصول إليها، و الأهداف أول في العكر و آخر في العمل كما يقوله الفلاسفة، و العناصر الثلاثة الأولى هي الوسائل للبلوغ إلى العنصر الرابع في الخارج، و هو الهدف المنشود، و النهاية المتوخاة من تلك الأمور الثلاثة و كل واحد من هذه العناصر الأربعة و تقسم إلى أقسام العنصر، فالعنصر الأول (و هو الموارد التي تحصل عليها الأعمال) تنقسم إلى موارد طبيعية، و إلى موارد بشرية، و إلى موارد مالية، و إلى موارد علمية، و إلى موارد اجتماعية، و إلى موارد ثقافية، و ما إلى ذلك، كما أن العنصر الثاني و هو استخدام الموارد بواسطة العمال تنقسم إلى إنتاج السلع، و إنتاج الخدمات، و توزيع و بيع السلع و الخدمات، و كما يشمل ذلك المواد البشرية الذي هو عبارة عن العمل الذي يقوم

به الرؤساء و المرءوسين و غيرهم في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود، و إلى تمويل منشآت الأعمال و تنظيمها و إدارتها و التنسيق بين الأجنحة المختلفة في منشئة العمل. أما العنصر

الفقه، الإدارة، ص: 38

الثالث و هو إطار العمل في المنشآت المذكورة فينقسم إلى المؤسسات الاقتصادية السياسية و القانونية و الثقافية و الدينية و المؤسسات المرتبطة بالتكنولوجيا، و المؤسسات العسكرية و غير ذلك من المؤسسات المنتشرة في المجتمع، مما تكون كأعمدة لبقاء المجتمع السليم المتعدد الأبعاد المعطى لحاجات الفرد بما هو فرد، و حاجات الاجتماع بما هو اجتماع. و العنصر الرابع الذي هو عبارة عن الأهداف التي تنشدها الأعمال بسبب العناصر الثلاثة الأولى، فهي عبارة عن إعطاء احتياجات المجتمع، سواء كان احتياجات من قبيل الخدمات أو الاحتياجات من قبيل المصنوعات و كذلك عبارة عن المبيعات و عن الدخل المتضمن للربح و عن رفع الدخل الحقيقي للفرد، و عن احتياجات المجتمع الروحية بسبب المؤسسات الدينية و المؤسسات الأخلاقية و المؤسسات التربوية و ما أشبه ذلك، و نظام الأعمال شامل لكل الموارد و التنظيمات و المؤسسات و المنشآت التي ترتبط بطريقة المباشرة أو غير المباشرة بإنتاج و توزيع السلع و الخدمات لإشباع الحاجات و الرغبات الإنسانية في أبعادها المختلفة، سواء كان بعداً من النقص إلى الكمال أو بعداً من الكمال إلى الأكمل، من غير فرق بين أن تكون المنشآت مرتبطة بالقطاع العام أو مرتبطة بالقطاع الخاص، فإن القطاع العام أيضاً التي تديرها الحكومة مؤسسة في قبل المؤسسات الأخر المتواجدة في الأنظمة الاستشارية (الديمقراطية) كما أن ذلك ينطوي على مجال واسع من المؤثرات التي تؤثر على سياسات، و عمليات هذه المنشآت، و من الواضح أن كل الأفراد

أجزاء في هذا الهيكل التنظيمي التشغيلي العام، سواء كان رئيس الدولة أو مدير الشركة أو رجل المبيعات أو العامل أو المستهلك، كما يتضمن هذا الهيكل العام أيضاً الموارد المستخدمة في الأعمال في عمل آخر، و المؤسسة التي تعني بالخدمة للحراسة الليلية عن اللصوص و غيرها تعمل ليلًا لا نهاراً، و بالعكس من تلك المؤسسات التي تعمل نهاراً لا ليلًا كالمصارف و الإدارات و غيرها، و بذلك تبين أن الأعمال عبارة عن الأنشطة المجتمعة في منشئة خاصة تهدف إلى هدف خاص، و إن تشعبت إلى عدة أقسام، مثلًا تقسم الأنشطة حسب الهيكل التنظيمي للمنشآت إلى منشآت مصرفية، و منشئات ثقافية، من الروضة إلى المعاهد العالية، و المنشآت الدينية كالمدارس للعلوم الدينية و المساجد و الأوقاف، و المنشآت العسكرية، و المنشآت الزراعية، و منشئات المناجم، و المنشآت الصناعية، و منشئات التشييد، و البناء و العمران، و منشئات الحاجات الأولية كالكهرباء و الغاز و الماء و المنشآت التجارية، و منشئات

الفقه، الإدارة، ص: 39

النقل و المواصلات، و منشئات التغزين و منشئات الخدمات بمختلف صورها و أشكالها.

(الهياكل الإدارية)

(مسألة) توضع خرائط للتنظيم و لبيان هيكل المنظمة في كثير من الإدارات الكبيرة، سواء كانت إدارة حكومية أو إدارة أهلية، لتبين الوحدات الإدارية التي تتكون منها الصورة التنظيمية، و لتبين الوظائف الموجودة فيها و خطوط السلطة و المسئولية التي ترتبط بين أجزائها و ارتباط بعضها ببعض، و كيفية التنسيق بينها، و ذلك لعدة أمور و التي منها: تحديد إطار المنظمة و الوحدات الإدارية و الوظائف التي تتكون منها الوحدات. و منها: بيان كيفية العمل بين الموظفين في المنظمة.

و منها: توضيح العلاقات بين مختلف الإدارات و الأقسام و كيفية التنسيق بينها و

أن أيها أكبر و أيها أصغر و أيها مقدم و أيها مؤخر و إلى غير ذلك.

و منها: توضيح خطوط السلطة و المسئولية في المنظمة.

و منها: توضيح عدد المستويات الإدارية في المنظمة.

و منها: تعريف الموظف برئيسه المباشر و تعريف الرئيس بالمرءوسين التابعين له مباشرة و أن أي رئيس في القمة و أي رئيس في الوسط و أي رئيس في القاعدة.

و منها: بيان للجان الموجودة في المنظمة و سلطاتها و علاقاتها بإجراء المنظمة.

و منها: الغرض الإعلامي، حيث أن الخريطة تساعد الزائرين الذين يأتون من خارج المنظمة للتعريف على أقسام المنظمة و على رءوس الأموال المستثمرة في المنشآت، و المنشآت نفسها و تنظيماتها و وظائفها و سياساتها، و قد تبين بذلك أن هناك أجزاء مباشرة و أجزاء غير مباشرة، و تتضمن الأجزاء غير المباشرة كل عناصر الحياة الاجتماعية التي تسهل و تنظم و تؤثر على نشاط الأعمال، و تشتمل على الحكومة، و مختلف شعبها، و فروعها، و نقابات العمال، و الأحزاب، و المنظمات، و دور النشر، و الأعلام، و النقود، و الإتقان، و المستهلكين، و الجمهور العام، فإنها كلها و غيرها عوامل بنيوية تؤثر على سياسة الأعمال و تصرفاتها و توجهها توجيهاً على قدر ما لها من المجال في هذا البحر العام من الاجتماع، و بالرغم من أن علقة هذه العوامل البنيوية بالأعمال هي علقة غير مباشرة، إلا أنها هامة، و لها وزنها و تأثيراتها في سير الأمور حسناً أو سيئاً باستقامة أو بانحراف بتوسيع أو بتضيق من جهة الكم أو الكيف. ثمّ هذه

الفقه، الإدارة، ص: 40

العلاقات متبادلة و متشابكة نظراً لأن نشاط منشآت الأعمال و أهدافها تشكل هذه العوامل البنيوية و تؤثر عليها أيضاً، فإنه

كما أن أجزاء الكون متشابكة جداً حتى أن رغيف الخبز الواحد بحاجة الأرض و المطر و الهواء و النور و الماء و الحر و البرد، و اليد العاملة و الليل و النهار و التكنولوجيا في العصر الحديث أو البقر و نحوها في العصر السابق لأجل حرث الأرض، و حتى بحاجة إلى الطيور التي تلتقط الحشرات الضارة بالزراعة كذلك أجزاء الأعمال و الخدمات فمعمل واحد بحاجة إلى حكومة ترعاه و مصارف مالية تكون مستودعاً لأهل المال، و منه عطاؤه، و نقابة عمال ينسقون العمال أنشطتهم و جهودهم في تلك النقابة، و حزب يسنده حتى لا يطغى عليه، و قضاء يفصل نزاعاته، و غيرها و غيرها، و بعض هذه الأمور مما يعج من المنظورات، و يعضها مما بعد من غير المنظورات. ثمّ أن المنشئة يجب أن تساير الأهداف و المعايير الاجتماعية العامة و إلا ما سمح لها بالوجود، و إذا وجد وجد ضعيفاً و ناقصاً و لا يمر عليه زمان إلا و ينهدم، مثلًا الاجتماع الذي لا يسمح بشرب الخمر لا يمكن فيه تأسيس معمل خمر، فإنه و إن ساندته الحكومة فرضاً لكنه إذا ولد كان ولادة ناقصة، ثمّ لا يمر زمان حتى يسقط و عليه فالخطط الاقتصادية مثلًا يجب أن توضع حيث يكون مقبولًا للجماهير، سواء من جهة الدين أو من جهة الفكر التي يحملها الاجتماع و مثل الخطط الاقتصادية الخطط الثقافية و الخطط الاجتماعية و غيرهما من سائر أبعاد المجتمع. و قد قام علماء الإدارة بتصنيف المنشآت إلى أقسام: كالمنشآت الحكومية، و المنشآت الاقتصادية، و المنشآت الثقافية، و المنشآت التربوية، و المنشآت الزراعية إلى غير ذلك، كما أن منشآت الزراعة تنقسم إلى: منشآت زراعة المواد

الأولية كالحنطة و الشعير و ما أشبه، و منشئات زراعة المواد الثانوية كالفواكه و الخضار و نحو ذلك. كما أن هناك تقسيم يقوم على أساس التفرقة بين تلك المنشآت التي تعمل مع الإنتاج و توزيع السلع، و بين تلك التي تعمل للخدمات كما أن هناك تقسيماً على أساس حجم المنشئة، و قياس الحجم قد يكون من ناحية رأس المال المستثمر، أو من ناحية مقدار المبيعات، أو من ناحية عدد العاملين و الرؤساء، أو من ناحية زمان العمل، إذ قد يكون زمان العمل في الشتاء، و قد يكون في الصيف، و قد يكون موقتاً و قد يكون غير مؤقت، مثلًا المعمل الذي يقوم بصنع السكر من الشمندر يكون عمله موقتاً بأيام ظهور هذه الثمرة، و هي في السنة ثلاثة أشهر أو ما أشبه ذلك، أما سائر شهور السنة

الفقه، الإدارة، ص: 41

فاللازم أن يقف المعمل أو يشتغل الأشخاص الموجودين فيها و قدرها كبراً و صغرا و كمية و كيفية.

و منها: أن تكون وسيلة الإيضاح للموظفين الجدد حيث بواسطة تلك الخرائط يتم تعريف الموظفين الذين يأتون إلى الوظيفة جديداً بالهيكل التنظيمي للمنظمة، و بيان المراكز التي سيشغلونها فيها و تحديد الأشخاص الذين سيكونون على اتصال بهم سواء كانوا رؤساء أو مرءوسين تابعين لهم أو زملاء أو ما أشبه.

و منها: أن الخرائط التنظيمية تساعد في اكتشاف الأخطاء الموجودة في التنظيم حتى تعالج في المستقبل القريب فعند رسم الخريطة التنظيمية تظهر الأخطاء الموجودة في هيكل المنظمة و المخالفات للقواعد الإدارية، مثلًا هل يكون للموظف رئيسان أو رئيس واحد أو أكثر كرؤساء متعددين أو أن الرؤساء المتعددين هم بعنوان الاستشارة أو بعنوان أن كل واحد منهم رئيس مستقل حتى

يكون مخالفاً لمبدإ وحدة الرئاسة الذي تكلمنا عن خطيئته سابقاً، و أنه هل يزيد عدد المستويات الإدارية عن الحدود السليمة أو أنها بقدر الحدود السليمة التي ذكرناها سابقاً من مبدأ قصر خط السلطة بين الرئيس و المرءوس، حتى لا يكون الطريق طويلًا يسبب التواء و انحرافاً، أو هل أن نطاق الإشراف في بعض الإداريين واسع أو ضيق، لما ذكرنا سابقاً من مبدأ نطاق الإشراف، إلى غير ذلك من الأخطاء التي تهر بسبب الخريطة.

ثمّ الخرائط على خمسة أقسام:

الأول: الخرائط الإدارية.

و الثاني: الخرائط الوظيفية.

و الثالث: الخرائط الإفادية.

و الرابع: الخرائط الجغرافية.

و الخامس: الخرائط التنسيقية.

أما الخرائط الإدارية، فهو عبارة عن الخريطة التي تبين المدير العام و مدير الإدارة و رئيس الأقسام و ما إلى ذلك، و هو قد يكون قيماً و قد يكون أفقياً، و قد يكون دائرياً، و القمي عبارة عن أن يكون مدير المنظمة العام في فوق و مدراء الإدارات مشعبون منه في الوسط، و رؤساء الأقسام، مشعبون من مدراء الإدارات الأقسام في أسفل القائمة، فكبار الموظفين الذين لهم سلطة إعطاء الأوامر و التعليمات يكونون في رأس قمة المنظمة، و يليهم الموظفون في الإجارة الوسطى، ثمّ الموظفون التنفيذيون، و يكون خطوط

الفقه، الإدارة، ص: 42

انسياب المسئولية من الأسفل إلى الأعلى، فالموظفون في المستويات الدنيا السفلى يكونون مسئولين مباشرة أمام رؤسائهم في المستويات العليا التي تقع فوقهم مباشرة في خط السلطة المرتبطين به، و هذا النوع من الخرائط الإدارية تبين الوظائف الإدارية التي هي في مستوى أفقي واحد، كما أنها تبين الرؤساء و المرءوسين بوضوح، و كثيراً ما تنتقد مثل هذه الخرائط التي تسمى بالخرائط التقليدية أيضاً بأنها تترك أثراً نفسياً غير مرغوب فيه عند المرءوسين في

المستويات الإدارية الدنيا، خصوصاً عند ما يلاحظون بأنهم موجودون في قاعدة الهرم، و أنهم يشغلون أصغر الوظائف في المنظمة لكن هذا الانتقاد غير وارد، حيث أن إخفاء الحقائق عنهم عمل غير صحيح، إذ من الأفضل أن يبين لهم موقعهم الحقيقي في المنظمة في الخريطة التنظيمية، حتى و إن ترك عندهم آثاراً نفسية غير مرغوب فيها، لكي يكون ذلك دافعاً لهم لتحسين مركزهم الوظيفي في المستقبل.

ثمّ هذا القسم من الخرائط الإدارية يقابلها الخرائط بعكس ذلك، و هي الخرائط التي تكون من الأسفل إلى الأعلى، حيث يكون مدير المنظمة من الأسفل ثمّ في الوسط مدراء الإدارات ثمّ في فوق رؤساء الأقسام. و في مقابل هذين الخرائط الإدارية التي تطلق عليها الخرائط الأفقية، و هي التي تكون من اليمين إلى الشمال أو من الشمال إلى اليمين، و في هذا النوع من الخرائط السلطة و خطواتها تنساب من إحدى الجهتين إلى الجهة الأخرى، فوظائف الإدارة العليا تكون في أقصى اليمين مثلًا ثمّ تليها وظائف الإدارة المتوسطة فالوظائف التنفيذية إلى جهة الشمال، أو يكون بالعكس، فوظائف الإدارة العليا تكون في أقصى الشمال ثمّ تليها وظائف الإجارة المتوسطة فالوظائف التنفيذية إلى أقصى اليمين.

ثمّ بعد الخرائط القمية و الخرائط الأفقية بأقسامها الأربعة على ما عرفت يأتي دور الخرائط الدائرية، و في هذا النوع من الخرائط يكون موضع رئيس المنظمة في مركز الدائرة و تنسار السلطة من الداخل إلى الخارج و المسئولين من الخارج إلى الداخل، و كلما قرب المنصب الإداري من مركز الدائرة حيث يوجد رئيس المنظمة ازدادت أهميته، و تظهر الوظائف الإدارية المتساوية على محيط دائرة واحدة، و لكل مستوى إداري معين دائرة واحدة حيث ترسم وظائفه على محيطها، و بعضهم

ذكر أن هذا القسم الخامس من الخرائط الدائرية لها مزايا، من جملتها: أنها لا تترك آثار سلبية على نفس الموظف الذي في الدرجة الدنيا من السلم فليست مثل الخرائط التقليدية التي تترك الآثار السلبية كما تقدم، لأنه لا يظهر للناظر

الفقه، الإدارة، ص: 43

أن وظيفة هذا الموظف في أعلى المنظمة، أو أن وظيفة ذلك الموظف في أدنى مستوى، فالخرائط الدائرية تقضي على الشعور النفسي غير المرغوب فيه عند صغار الموظفين، لأنها ترسم هيكل المنظمة و بطريقة تبين بأن كل فرد في تلك المنظمة إنما هو جزء متمم لهيكلها، و أن المنظمة ككل تعتمد في عملها على تلك الأجزاء المكونة منها. ثمّ هناك ميزة أخرى للخرائط الدائرية، و هي أنها تساعد في رسم هيكل المنظمات الإدارية الكبيرة، فالدائرة تكون صغيرة عند المركز و تزداد كبراً و اتساعاً عند الابتعاد عن المركز، و لهذا فإنها تتلاءم مع عدد الوظائف و المناصب الإدارية و على كل فهذه الخرائط بأقسامها الخمسة من فزق إلى تحت، أو من تحت إلى فوق أو من اليمين إلى الشمال، أو من الشمال إلى اليمين، أو على صورة الدوائر، كلها تنخرط في القسم الأول من الخرائط و هي الخرائط الإدارية على ما ذكرناه.

القسم الثاني: الخائط الوظيفية، و تبين هذه الخرائط المهام و الواجبات الرئيسية للمنظمة و للأقسام التي تتكون منها، فيذكر في مربع مستطيل أو دائرة الإدارة أو القسم أو الاختصاصات المحددة للإدارة، أو القسم، و تفيد هذه الخرائط بإعطاء فكرة عن النشاطات و الأعمال التي تقوم بها المنظمة، مثلًا ترسم الخرائط الوظيفية هكذا: أفقي فوق تكتب: (الإدارة المركزية للتنظيم و الإدارة) ثمّ تحت ذلك تكتب في الجانب اليمين: (الإدارة العامة للتنظيم) و

في الوسط: (الإدارة العامة لطرق العمل) و في الأخير: (الإدارة العامة لمعدلات الأداء) ثمّ تخرج من الإدارة العامة للتنظيم:

(1): وضع دليل تنظيمي للجهاز الإداري للدولة أو المؤسسة و متابعته دورياً.

(2): إبداء الرأي الفني و تقديم المعاونة في عمليات التنظيم، سواء للأجهزة المرتبطة أو لوحدات التنظيم.

(3): اقتراح إعادة تنظيم أو تعديل اختصاصات الأجهزة القائمة.

(4): اختصاصات أخرى.

كما تكتب تحت الثاني و هو الإدارة العامة لطرق العمل:

(1): دراسة النماذج و السجلات على المفتش أو نحوه، بقصد تبسيطها و تنظيمها و فهرستها لتحقيق التكاليف و سرعة العمل.

(2): القيام بالدراسات الخاصة بتبسيط إجراءات العمل في مختلف الأجهزة.

(3): القيام بالدراسات الخاصة بالتوزيع على العاملين داخل الوحدات.

الفقه، الإدارة، ص: 44

(4): الاختصاصات أخرى.

ثمّ تكتب تحت الثالث و هو الإدارة العامة لمعدلات الأداء:

(1): وضع معدلات الأداء للأعمال النمطية و التخصصية على مستوى الدولة أو المؤسسة، و ذلك للتعاون مع الإدارة العامة، و طرق العمل و الأجهزة الفنية المتخصصة بالقطاعات المختلفة.

(2): التعاون مع الإدارات العامة التابعة لقطاع الترتيب من أجل تحديد القرارات الوظيفية و ميزانية الوظائف.

(3): الاختصاصات الأخرى.

و هكذا تكون الخرائط الوظيفية بالنسبة إلى القطاعات الخاصة من المعامل و القطارات و المطارات و المعاهد و ما أشبه ذلك.

ثمّ يأتي دور للقسم الثالث من الخرائط، و هي الخرائط الإفرادية، و هذه الخرائط تبين الوظائف المعتمدة و مراتبها، و الوظائف الشاغرة بها، و تفيد هذه الخرائط إدارة الميزانية عند مناقشة مشاريع ميزانيات الوزارات أو الإدارات المختلفة في المؤسسة أثناء عملية تحضير الميزانية أو نحوها، فتعطي محلل الميزانية أو نحوها فكرة موجزة عن الوظائف المعتمدة للمنظمة، و الوظائف الشاغرة فيها، كما تفيد الرئيس الإداري الأعلى في التعرف على الوظائف الشاغرة في منظمته، ليقوم بتعبئتها، مثلًا يكتب في

فوق الخريطة: (إدارة التفتيش العام) ثمّ تحته تكتب: القسم الأول قسم التفتيش، القسم الثاني قسم المحاسبة، و يكتب تحت قسم التفتيش على اليمين: العدد، و بعد ذلك الوظيفة و بعد ذلك الوظائف الشاغرة، و كذلك يكتب في قسم المحاسبة على اليمين العدد، ثمّ يكتب الوظيفة، ثمّ يكتب المرتبة، ثمّ يكتب الوظائف الشاغرة و تحت كل واحد من هذه الأربعة يكتب التفاصيل المرتبطة بهذه القائمة، مثلًا يكتب تحت الوظيفية في قسم التفتيش: كبير المفتشين، مفتش أول، مفتش ثاني، مفتش ثالث، كاتب تأدية، محرر، مأمور ملفات، كاتب صادر، كاتب وارد، و يكتب تحت الوظيفة: قسم المحاسبة، رئيس قسم المحاسبة، مدقق حسابات، محاسب، كاتب يومية، كاتب حوالات، مسجل كفالات، مأمور ملفات، كاتب صادر، كاتب وارد، و هكذا تكون الخرائط الإدارية مبينة للهيكل التنظيمي في هذا البعد من الإدارة.

ثمّ تأتي دور القسم الرابع من أقسام الخرائط و هي الخرائط الجغرافية، و هي تبين الارتباط بين فروع المؤسسة في مختلف البلدان، أو البلد الواحد إذا كانت لها فروع متعددة، حيث تكون للمؤسسة فرع مثلا في بغداد و فرع

الفقه، الإدارة، ص: 45

في النجف و فرع في كربلاء و فرع في الحلة، أو في بغداد مثلًا تكون لها فرع مدينة المنورة و فرع في قناة الجيش و فرع في البياع و فرع في قلب بغداد إلى غير ذلك، من غير فرق بين أن تكون تلك الفروع في صف واحد، أو طولياً بأن يكون المستودع و المخزن و المعقل و الإدارة و غير ذلك.

أما القسم الخامس، و هي الخرائط التنسيقية، فهي عبارة عن الخريطة التي تبين ارتباط المؤسسة بغيرها من المؤسسات، و ما هي النسبة بين هذه المنشئة و سائر المنشآت،

مثلًا المعمل الذي ينتج البلاستك يكون وسطاً بين معمل يعطي المواد و بين معمل أخر يأخذ البلاستكات المصنوعة ليكملها في جهة من الجهات، ثمّ يسوقها، و ربما يكون المعمل صاحب الخريطة في القمة و ربما يكون في الوسط و ربما يكون في القاعدة، كما أنه ربما يكون بالنسبة إلى معمل آخر في صف واحد عرضي لكن بينهما تعامل و توازن، بحيث يكمل كل واحد منهما الآخر، و يكون بينهما أخذ و عطاء في جهة من الجهات و لو لجهة (أليكارشي) على الاصطلاح الاقتصادي.

[المنشآت الاقتصادية لها أشكال قانونية مختلفة]

(مسألة) المنشآت الاقتصادية لها أشكال قانونية مختلفة في قوانين العام الحاضر، تختلف من جهة العيوب و الفوائد و القوانين الدولية، هذا ما يرجع إلى المنشئين، فيختارون الشبه القانوني للمنشئة و يحددون الشكل القانوني في علاقة المنشئة بالغير، كما أن بذلك تحدد المسئولية القانونية في مختلف المعاملات سواء كانت للمساهمين أو الشركاء، أو بين رجال الإدارة و العاملين أو غيرهم، كما أن الشكل القانوني للمنشئة يكون مورد قدر التدخل الحكومي في أعمالها زيادة و نقيصة، و عملية اتخاذ القرار الخاص باختيار الشكل القانوني للمنشئة ليست بالعملية الاعتباطية، إذ من يتخذ القرار يواجه عدداً من البدائل التي لها أشكال قانونية مختلفة، فيختار من بينها ما يشاء في نظره مما هو أنفع بمزاجه أو أبعد عن المشكلات، إذ لكل شكل من هذه الأشكال مزاياه و عيوبه. و من ثمّ يجب على متخذي القرار دراسة هذه البدائل و اختيار أفضلها بنظره، و قد يكون الأفضل مختلفاً من مكان إلى مكان، أو من دولة إلى دولة، أو من جماعة إلى جماعة، أو من شكل تنظيمي إلى شكل تنظيمي، مثلًا يقوم القانون التجاري في معظم الدول بتنظيم الأعمال

التجارية و تحديد المسئوليات القانونية في النشاط التجاري بغرض حماية المعاملات و نشر الثقة في ميدان الأعمال، و عدم قابلية المنشئة للاحتيال الالتفاف من بعض المساهمين أو ما أشبه، فمثلًا الشريك و المساهم في المشروع يحب أن تعطى له كافة الضمانات

الفقه، الإدارة، ص: 46

الممكنة لحماية أمواله المستثمرة، كما أن مدير المنشئة يجب أن يكون مسئولًا عن عمله و خاصة ذلك العمل المتعلق بالتصرف في أموال المنشئة المرتبطة بالناس. مسئولًا عن عمله مع إيضاح حدود هذا العمل و من الواضح أن المسئولية عليهم تكون من قبل الحقوق التي يتقاضونها من أصحاب المنشئة سواء كانت حقوقاً محددة كالماليات التي يأخذونها أو حدوداً غير محددة كالأرباح التي يجبونها من وراء المؤسسة، و التي ينبغي تحديدها تحديداً واضحاً و يتوقف تحديد هذه الحقوق و الواجبات إلى حد كبير على الشكل القانوني للمنشئة، و هذا ليس خاصاً بالأعمال التجارية التي هي السلع و البضائع التي تستهلك في الأسواق، بل يمكن أن يكون ذلك بمثل خدمات ثقافية في إيجاد المدارس بقصد الاسترباح، أو المطارات أو القطارات الأهلية أو ما أشبه ذلك من المنشآت المختلفة، هذا بصورة عامة.

أما إذا لوحظ ذلك بالنسبة إلى البلاد التي تعمل بالإسلام في قوانينها، أو الجماعة الذين يريدون موافقة الشريعة، فالأمر بحاجة إلى إضافة ملاحظة القوانين الشرعية أيضاً التي ذكرنا طائفة منها في كتاب الشركة و غيره، لوضوح أن بين القوانين العالمية و بين الشريعة الإسلامية من ناحية التطبيق عموماً من وجه، فاللازم أن يلاحظ من يريد تطبيق الشريعة أن لا يكون عمله مخالفاً للإسلام، فيطور الشركة إلى نحو أن يكون موضع الالتقاء بين القانون و الشريعة، فإنه حكومياً مسئولًا أمام القانون، و لا يتمكن

من التخطي منه أمام الحكومة، كما أنه شرعياً مسئول أمام الشريعة الإسلامية، و لا يتمكن من التخطي منها لفرض تدينه و خوفه من الله سبحانه و تعالى، و نمثل لذلك بمثل بسيط و هو أنه إذا كانت الشركة لا تسمح بسحب المال إلا بعد عشر سنوات مثلًا، و مات الشريك و ورثه الصغير الذي يرى وصيته أن الصلاح في سحب المال، أو وارثه الكبير الذي لا يريد بقاء المال عند الشركة، فإنه يقع التصادم بين القانون و الشريعة، فاللازم أن يكون عند إنشاء الشركة تشترط المؤسسة على المساهم بقاء ماله إلى تلك المدة، و بهذا يكون تطبيقاً للحديث الشريف: (المؤمنون عند شروطهم) فتراضيه في البقاء حينئذ حتى بعد جنون المساهم أو سفهه و فلسه، أو موته و وراثة الصغير أو الكبير له. ثمّ الأشكال التي يمكن اختيار أحدها في الوقت الحاضر في جملة من البلاد هي:

أولًا: المنشئة الفردية.

و ثانياً: شركة التضامن.

و ثالثاً: شركة التوصية البسيطة.

الفقه، الإدارة، ص: 47

و رابعاً: شركة التوصية بالأسهم.

و خامساً: الشركة ذات المسئولية المحدودة.

و سادساً: الشركة المحاصة.

و سابعاً: الشركة المساهمة.

و لا يخفى أن الأصل في الإسلام الحريات التي ذكرناها مكرراً في كتبنا السياسية و غيرها.

نعم هناك ضوابط إسلامية في المعاملات مما ذكرت في فقه الإسلام فاللازم على المسلم التقيد بها.

أما القوانين السائدة في الحال الحاضر في البلاد الإسلامية فهي كما تقدم بينها و بين الشريعة الإسلامية عموم من وجه، و نحن إنما نذكر ما نذكر للإلماع إلى ما يتعارف مع القانون، لا الالتزام بصحة ذلك و انطباقها على الشريعة، و اللازم على المسلمين طرح كل قانون يخالف الإسلام سواء بالتباين، أو العموم المطلق، أو العموم من وجه، حتى يكون الدين كله

لله سبحانه.

أما تفصيل هذه الأقسام السبعة المذكورة:

فالأول: هو المنشئة الفردية، و هي تلك المنشئة التي يملكها فرد واحد يديرها بنفسه، و يحصل على جميع الأرباح بجانب، تحمله كل المسئوليات و الموظفون الذين يأتي بهم يعدون ثانويين لا شأن لهم إلا بقدر ما يعطيهم من الصلاحية، و ما يقرر لهم من الحقوق، و تعتبر المنشئة الفردية من أقدم ما عرفه الإنسان القديم، و نظراً لانفراد صاحب المنشئة برسم سياستها فإنه يتخذ القرارات بصورة يراها هو، و لا يواجهه في اتخاذ القرار اختلافات و وجهات نظر، و لا يحتاج إلى الاقتراع و أكثرية الآراء أو ما أشبه ذلك. و الإشراف و الرقابة و التسيير و ما أشبه في حالة المشروع الفردي يكون مركزاً في صاحبه و لا يشاركه فيه أحد، و إذا مات يكون وارثه مخيراً في البقاء أو الهدم، كما أنه بنفسه يكون مخيراً بينهما و بما أن أحداً لا يشارك صاحب المنشئة الفردية في الأرباح عند النجاح فإن الدافع له على العمل يكون شخصياً و مباشراً، و غالباً يكون هذا الشخص على اتصال مباشر بعملائه، و قد يجعل بين نفسه و بين العملاء بعض الموظفين، و بالتالي يمكن التأكد من سير العمل بطريقة تستجلب الأرباح أكثر فأكثر، و ذلك لا يكون إلا حسب لاسترضاء العملاء، كما يكون على علم بالتغيرات التي تحدث في حاجاتهم و رغباتهم مما يمكنه من مقابلتها بسرعة، و هذا القسم من المنشئة الفردية لا تخضع لقانون حكومي خاص،

الفقه، الإدارة، ص: 48

إلا بعض القوانين البسيطة، كما أن الحكومة لا تتدخل فيها إلا في حالات نادرة، و من الواضح أن تكوين المشروع الفردي سهل لا يحتاج إلى القيام بإجراءات قانونية باستثناء القيد

في السجل التجاري، و المأذونية من الحكومة، و ذلك أيضاً كما عرفت خلاف الحرية الإسلامية، و باطل، و يجب إلغاءه، فإن الحكومة لا يجوز له التدخل في حريات الناس إلا بقدر لا ضرر، و ما أشبه، من القوانين الثانوية، و على أي حال، فمثل هذه المنشئة الفردية لا يواجه الكثير من القيود كما هو الحال في الأنواع الأخرى مما تحتاج المنشئة إلى قيود كثيرة أو متوسطة كما نتكلم حولها في المسائل الآتية، و يكتفي صاحب المنشئة الفردية بإمساك السجلات فقط لا التي يفرضها القانون على سائر الأشكال كدفاتر الحسابات و صور المراسلات و نحو ذلك، و يتمكن صاحب المنشئة الفردية من ترك العمل حينما يرغب في ذلك، كما يمكنه تحويل نشاطه من ميدان إلى آخر بكل سهولة، هذا من الناحية الشرعية.

و من الناحية القانونية، فقد يقف القانون دون ترك العمل أو الانتقال، و حيث أن هذه المنشئة من السهولة و البساطة بحيث قد عرفت فهي لا تزال المنشئة الكثيرة الانتشار في غالب البلاد الإسلامية.

و هذه المنشئة و إن كانت كثيرة الانتشار لكنها ليست من المنشآت التي لا عيوب فيها، أو العيوب فيها قليلة:

فأولًا: الناس لا يأتمنون بمثل هذه المنشئة، فمعظم الناس يحجمون من إقراضها بسبب صغر رأس المال، و ذلك بالرغم من مسئولية صاحب المنشئة غير المحدودة، فإن الناس غالباً لا يطمئنون بفرد، يضاف إلى ذلك أن الخطر المحتمل الناتج من عدم مقدرة الفرد على إدارة مشروعه بكفاءة يقف دون ائتمان الناس إليه، و لهذا لا يربح هذا المشروع ربحاً كبيراً، و لا يشترك الناس في إقراضه.

نعم البنوك تقرض مثل هذه المنشئة حسب تقييمه لممتلكات هذا الإنسان الذي يريد الاقتراض.

ثانياً: لا نمو لمثل هذه المنشئة،

لأن نمو الفرد محدود و امتداده محدود أيضاً، فلا ينمو إلى الحجم الكبير، و بالتالي يحتم عليه البقاء في مجالات الأعمال المحدودة، أي أن اتساع نطاق السوق يفسح المجال للمشروعات الكبيرة، و يقلل من فرض العمل للمنشآت الفردية مثل هذه المنشئة.

ثالثاً: مثل هذه المنشئة معرضة لتنافس المنشآت الكبيرة ذات القدرات الواسعة في الاسترباح، فيكون على جناح الخسارة أو السقوط أو التقلص.

الفقه، الإدارة، ص: 49

رابعاً: غالباً لا تتمكن مثل هذه المنشآت الصغيرة من الاستعانة بالأخصّائيّين، لأن صغر حجم هذا النوع و ضعف إمكانياته المادية و الاجتماعية غالباً يجعل من الصعب عليه الاستعانة بأمثالهم حتى تكون المنشئة ذات بنية قوية تسير حسب الاختصاص و الفن في قوة الكيفية، فبالإضافة إلى أنها ضعيفة كماً ضعيفة كذلك كيفاً.

خامساً: لا تتمكن مثل هذه المنشئة من مواجهة الأخطار التي تتعرض لها المنشئة، فعجز صاحب المنشئة لكونه فرداً عن دفع الديوان بإعسار أو إفلاس أو ما أشبه قد يؤدي إلى ضياع ممتلكاته الخاصة فضلًا عن ممتلكات المنشئة.

سادساً: لا تكون حياة المنشئة إلا بقدر حياة و نشاط الفرد المالك لها، و بقدر إرادته، فإن حياة مثل هذه المنشئة الفردية تتوقف على رغبة صاحبها، و على قدرته على العمل، أو على حياته على أطول صورة ممكنة، فإن حياة هذا المشروع تقتصر على السنوات الإنتاجية لحياة الفرد نفسه فإذا توقف نشاطه أو مات و ورثها الخلف فإن نشاطها غالباً ما يتغير نظراً لاختلاف الطبيعة البشرية في الأجيال المتعاقبة، بالإضافة إلى أن الوارث إذا أراد بقاء المنشئة لا يتمكن من ذلك إلا بشركة سائر الورثة، فيما إذا كانوا متعددين، و غالباً لا يتمكنون من البقاء، لأنهم يختلفون لاختلاف نشاطاتهم الاجتماعية، مما يجر كل ربحه إلى

نفسه، غير مريد للاشتراك مع الآخرين، حتى إذا كانوا أشقاءه و أقرباءه.

القسم الثاني: شركة تضامن، و هي إذا ما كان شخصان أو أكثر يشتركون في ملكية و إدارة المشروع بقصد تحقيق الربح، فليست كالشركة الفردية السابقة، و إنما شركة تضامنية و هذه تشابه الشركة الفردية في أن كل واحد من المشتركين يكون مسئولًا غير محدود، و لكن بطبيعة الحال محدود أمام الشريك الآخر، فهي شركة فردية موسعة و تعمل على الجميع بين المواهب و الكفاءات و الخبرات و الثروات لأشخاص متعددين، و بالتالي تتمكن شركة التضامن من الحصول على قدر أكبر من رأس مال الفرد يمكنها من القيام بالأعمال على نطاق أوسع، و من المعلوم أن في شركة التضامن الربح يكون أكثر، كما أن الخسارة غالباً تكون أقل، لأن العقول إذا اجتمعت تعطي ثمرات أحسن، و في حديث عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله) و غالباً في هذه الشركة يقوم كل شريك بالعمل في كل المؤسسة بالنيابة عن الشركاء الآخرين، و يكون إمضاء أحدهم إمضاء الجميع بدون حاجة إلى التفويض، و إن كان

الفقه، الإدارة، ص: 50

يمكن أن يحدد الشركاء عمل كل واحد حسب ما يرونه من التحديد أو الإطلاق، و حيث أن هذه شركة تضامنية يعمل كل واحد نيابة عن الآخرين باستقلال حسب الغالب، و يمكن لهذه الشركة أن تعمل بسرعة و تغتنم ما يسمح لها بأكبر سرعة ممكنة، و ينتهز الفرص التجارية المتاحة له، كما أنه يمكن أن يسافر بعضهم و يبقى بعض لأمور ترفيهية أو تجارية أو عقد صفقات أو ما أشبه ذلك، و حيث أن كل شريك يعرف أنه المسئول عن كل

الشركة يبذل أكثر جهد ممكن للقيام بالأعمال بأفضل صورة، و هذه المسئولية الموجودة في هذه الشركة التضامنية يمكن الشركة من التعاقد مع الغير بما يكون لها من القوة، بخلاف المنشئة الفردية على ما تقدم، و من الواضح أنه يمكن حسب التعاقد بين الشركاء أن تكون الشركة التضامنية قادرة على التوسع عن طريقة إضافة شركاء جدد، و إذا دخل الشركاء الجدد حصلت الشركة على أموال إضافية و كفايات إدارية و فنية جديدة، و بذلك يزداد رأس مالها بدون احتياج إلى نفقات أو تغيير للهيكل التنظيمي، و حيث أن هذه الشركة بين أفراد محصورين لا يحتاج إلى إجراءات قانونية كبيرة مثل الشركات التي تتعرض لها فيما سيأتي.

ثمّ الشريكان يسجلان عقد شركة و يثبتانه عند الدولة، إذا أرادا تدخل الدولة عند بروز المشاكل، كما أن كثيراً ما يشتركان بدون اتفاقية خطية، لكن ذلك خلاف المستجد الأكيد شرعاً.

قال سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا تَدٰايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) و ملاكه آت في المقام، و في حديث: (قيدوا العلم بالكتابة) و إن العلم يشمل مثل ذلك أيضاً و لو بالملاك، و قد قال الشاعر بهذا الصدد:

أنلني بالذي استقرضت صكاً و أشهد معشراً قد شاهدوه

فإن الله خلاق البرايا عنت لجلال هيبته الوجوه

يقول: إِذٰا تَدٰايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ

و من الواضح أن عيوب مثل هذه الشركة و إن كانت أقل من عيوب المنشئة السابقة، إلا أن من عيوب هذه الشركة هي تغلب الطابع الشخصي بين الشركاء، مما يجعل التنظيم غير مستقر، و كثيراً ما يؤدي إلى نهاية حياة المشروع و التنازع، خصوصاً في الأمم البدائية الذين لا يتمكنون من التغلب على عواطفهم، فسوء تصرف أحد الشركاء

قد لا يؤدي إلى فقدان أموال الشركة فحسب، بل يصل إلى الممتلكات الشخصية للشركاء الآخرين، و من الواضح أن الكتابة المضبوطة، و التسجيل عند دوائر الدولة، و جعل مفتش، وفني، و ما أشبه، مشرفاً على سير الأمور يقلل من

الفقه، الإدارة، ص: 51

هذا الخطر. و ربما يكون من عيوب مثل هذه الشركة أنه قد يحدث أن أحد الشركاء الذي يملك حصة صغيرة في رأس مال الشركة و قدرة إدارية محدودة أن يصر على رأي معين، و يتمسك بوجهة نظره مما يعرقل قرارات الشركاء الآخرين و يمنع تنفيذها، و مثل هذه المشاحنات الداخلية قد تؤدي إلى فشل المشروع و تصفيته، إلا إذا كان المحكم أكثرية الآراء ضده، و إذا فرض أنهما شريكان فقط فمن الممكن حسم النزاعات بالاقتراع أو بالرجوع إلى الصنف أو ما أشبه ذلك، و دخول الشركاء الجدد في مثل هذه الشركة يتوقف حسب القرار بأكثرية الآراء، أو بالقرعة، أو بما أشبه ذلك من الذي يقررون بينهم، و قد يكون الدخول حسب الاشتراط بموافقة جميع الشركاء، كما أن انسحاب أحد الشركاء أو عجزه أو وفاته قد يؤدي إلى تصفية الشركة و قد يترتب على ذلك خسائر تلحق بحصص الشركاء في رأس المال، بل أحياناً يتعدى ذلك إلى الأموال الشخصية للشركاء الآخرين الذين أحياناً يتحملون الخسائر الفادحة التي تلحق بهم، و من المحسن تسجيل مثل هذه الشركات في شركة التأمين، حيث تقل الخسائر كما هو المتعارف الآن، و قد ذكرنا في الفقه أن التأمين بحدودها المعقولة جائز شرعاً، فإن: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و ما أشبه يشمل حتى العقود المستجدة كما ذكره جمع من الفقهاء، ابتداء من الشهيد في المسالك (حسب اطلاعنا و لعل قبله أيضاً

قالوا بذلك و انتهاء إلى السيد الطباطبائي في العروة، بل و من بعده.

نعم لا شك أن شركة التضامن حسب ما ذكرناها تعجز عن القيام بالأعمال الكبيرة التي تحتاج إلى رءوس أموال ضخمة، و لذلك فهي صالحة للتجارات الصغيرة و ما أشبه التجارات الصغيرة من فتح مدرسة، أو معهد أو نحو ذلك، من العمال المحدودة، كما أن هذا النوع نم الشركات تستخدم أيضاً في مجال المهن الحرة كالمحاماة و المحاسبة و الهندسة و ما أشبه ذلك، و قد ذكرنا في الفقه صحة الشركة بأن يكون من أحدهم الأرض و من الآخر البذر و من الثالث البقر و من الرابع الماء و من الخامس التسويق و ما إلى ذلك، و هكذا أن يكون من أحدهم الدكان و من الآخر رأس المال و من الثالث الجلوس و من الرابع جلب البضائع و من الخامس التخزين إلى غير ذلك من الشركات التي تكون بهذه الصور، لكن جمع من الفقهاء كالعلامة و غيره يستشكلون في ذلك و التفصيل موكول إلى الفقه في كتاب الشركة.

القسم الثالث: شركة توصية، و هي شركة التضامن، بأن يكون هناك في الشركة فردان أو أكثر، لكن يضاف إلى القسم الثاني إضافة أناس آخرين

الفقه، الإدارة، ص: 52

يعطون و يوصون و ليس لهم شئون في الشركة إلا أنهم يأخذون من الربح بالنسبة و من الخسارة بالنسبة لأموالهم، و لا يتمكن الموصي من التصرف في حصته بالبيع و نحوه إلا بموافقة الشركاء، فهي شي ء متوسط بين الشركة السابقة و الشركة الآتية، تعقد بين شريكين أو أكثر من الشركاء المتضامنين و بين شخص أو أكثر من الشركاء الموصين الذين يقدمون جزءاً من رأس المال و يأخذون الربح بنسبة

رأس مالهم كما يخسرون بنسبة رأس مالهم، فلا هم يربحون ربحاً كبيراً و لا يخسرون خسارة كثيرة، أما الشركاء المتضامنون فمسئوليتهم يكون غير محدودة، كما في القسم السابق من شركة التضامن، و نظراً للمسئولية المحدودة التي يتمتع بها الشركاء الموصون فإن سلتطهم تكون محدودة أيضاً، و هم لا يتدخلون في الإدارة و لا يظهر اسمهم في معاملات الشركة، و لا يكون لهم رأي في الأخذ و العطاء و الإيجاب و السلب، و أمثال هذه الشركات تكون سهلة و بسيطة مثل إجراءات تكوين شركات التضامن، و إنما ينضم إليها سجل على الأغلب بأسماء الشركاء الموصين، و الحكومة لا تتدخل من طريق الرقابة على إدارة هذا النوع من المنشآت نظراً لقيامها على أساس الثقة الشخصية المتبادلة بين الشركاء. نعم لهم أن يدخلوا الحكومة إذا خافوا من التلف أو الإنكار أو التحايل أو ما أشبه ذلك.

و هذا النوع من الشركات يسمح بدخول الذين يرغبون في استثمار أموالهم بأسماء علنية أو أسماء سرية، و لكن نظراً لظروفهم الخاصة لا يمكنهم أن يتحملوا من الأخطار إلا بقدر ما قدموه من الأموال، و بالتالي تتمكن شركة التوصية من الحصول على قدر أكبر من رءوس الأموال مما لا يتمكن مثله من شركة التضامن، فإن الأفراد الذين يدخلون في شركة التضامن كما تقدم يكونون أعضاءً، و هؤلاء في هذه الشركة التوصية لا يكونون أعضاء، و من الصحيح أن يشترطوا أن يكون لهم ربح بنسبة أكبر، أو أن يكون عليهم الخسارة بنسبة أكبر، (فإن المؤمنين عند شروطهم).

و عيوب مثل هذه الشركات هي عيوب شركات التضامن، بإضافة أنها قد تكون مجالًا للاحتيال إذا لم يقيد تقييداً دقيقاً مما لا يقع الضرر على المتمولين من الشركاء

الموصين بصورة خاصة، فقد يتولى الإدارة شريك متضامن سيئ النية، أو سيئ العمل و لا يملك إلا القليل من رأس المال، و بالتالي قد يجازف بأموال الشركة و أموال الدائنين، و إذا فشلت الشركة فإن الخسارة ستقع على الشركاء الموصين، حيث يضيع رأس مالهم كما ستقع الخسارة على الشركاء الآخرين من المتضامنين، و لذا فينبغي على

الفقه، الإدارة، ص: 53

الشركاء الموصين حسب قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): (رحم الله امرءاً عمل عملًا فأتقنه) أن يضبطوا أمرهم ضبطاً كبيراً و كذلك بالنسبة إلى الدائنين، إذا كان هناك دائنون لمثل هذه الشركات، و كذلك بالنسبة إلى الفرقاء الآخرين إذا كانوا يشكون في سلامة النية أو سلامة العمل أو الاستقامة لظروف طارئة اجتماعي أو سياسية أو اقتصادية أو ما أشبه، فيحتاطوا في التعامل مع هذا النوع و يتأكدوا من شخصية الشريك أو الشركاء المتضامنين، و من ممتلكاتهم الشخصية، مع التحقيق من سمعتهم في السوق و أرصدتهم في البنوك و ما أشبه ذلك، كما أن من الضروري أن يعين الموصون من يقوم مقامهم في حال مرض أو جنون أو سفه أو فلس أو موت، و أنه كيف يعامل بأصل أموالهم و أرباحهم، و يجب أ، يكون الشرط حسب المقرر شرعاً كما تقدم و حسب المقرر قانوناً، حتى لا يحيف القانون على أموالهم أو على و إرادتهم.

أما القسم الرابع: فهي شركة التوصية بالأسهم، و هي مثل الشركة التوصوية البسيطة إلا أنه يتمكن الفرقاء من التصرف في أسهمهم بدون موافقة الشركاء، و في الحقيقة أن الأمر يرجع إلى اشتراطه هكذا كالقسم الثالث، أو هكذا كالقسم الرابع، فهذه الشركة تشبه شركة التوصية البسيطة، إذ تتكون من شريك أو

أكثر من الشركاء المتضامنين و من شركاء يملكون أسهماً في رأس مال الشركة، و يعهد بإدارة هذه الشركة إلى شريك متضامن أو كثر، و تكون مسئوليته غير محدودة، حكمه في ذلك حكم الشريك في شركة التضامن، و لكن شركة التوصية بالأسهم تختلف عن شركة التوصية البسيطة فيما يتعلق بمركز الشريك الموصي، فهذا يكون مركزه مشابهاً لمركز المساهمة في الشركة المساهمة، فهو يمتلك عدداً من الأسهم القابلة للتحويل بالبيع أو بالتنازل أو بالهبة أو بالإجازة أو ما أشبه ذلك، أما في شركة التوصية البسيطة فقط رأينا في بابه أن الشريك الموصي يملك حصة في لرأس المال بصفته الشخصية، و لا يمكنه في هذا البيع أو التحويل إلا بعد موافقة باقي الشركاء، و الظاهر صحة وقف السهم أيضاً سواء هنا أو فيما يأتي إذا انطبق على ذلك شرائط الوقف الشرعي.

أما شرائط الوقف القانوني اللازم المراعاة فذلك لأجل عدم مزاحمة القانون لإرادة الواقف المطابق للشرع، و هذا القسم من الشركة سهل لا يحتاج إلى إجراءات طويلة، فكلما يلزم هو كتابة العقد و اتباع إجراءات التسجيل و النشر كما هو الحال في شركات التضامن و التوصية البسيطة، و نظراً لسهولة التخلص من الأسهم التي يمتلكها الشركاء الموصون فإن

الفقه، الإدارة، ص: 54

هذا النوع يمكنه أن يجمع مقداراً من المال أكثر مما تجمعه شركات التضامن، أو شركات التوصية البسيطة (فمن المثل المعروف في الفلسفة: كلما زادت قيوده قل وجوده) و حيث أن في هذه الشركة للفرقاء الموصين الحرية في البيع و التنازل و الوقف و الهبة و غير ذلك يكونون أكثر إقبالا على مثل هذه الشركة، و هذا القسم الرابع كالقسم الثالث على المساهمين الموصين أن يتأكدوا من شخصية

المؤسسين المتضامنين و سمعتهم في السوق، و من ممتلكاتهم الشخصية، و من أرصدتهم في البنوك، و من معاملاتهم السابقة، و ذلك قبل المساهمة في أسهم هذه الشركات، فإن (المغبون ليس بمحمود و لا مأجور) كما ورد بذلك النص.

القسم الخامس: شركة المحاصة، و هي شركة مؤقتة تنتهي بانتهاء العمل الذي أقيمت من أجله، مثلًا يشترك اثنان في بيع الفاكهة الفلانية في الفصل الفلاني، أو في بيع الثلاجة أو الغسالة أو المدفئة و ما أشبه في فصل خاص، أو في شهر خاص، و بانتهاء ذلك الفصل أو الشهر أو الموسم (كموسم الزيارة مثلًا في الأعتاب المقدسة أو في الحج أو في العمرة) تنتهي عمر الشركة، فهي شركة قد تستمر لمدة يوم أو أسبوع أو شهر أو أكثر، و هي مستترة غالباً لا يعلم الجمهور بوجودها و لا يشترط فيها الإشهار، و كذلك لا يحتاج إلى الكتابة و لا إلى تسجيل في الدولة، و في هذه الشركة يتم الاتفاق بين شريكين أو أكثر على القيام بنشاط تجاري معين يؤديه أحدهم أو كلهم على سبيل التساوي أو على سبيل التوزيع، و لكن كل واحد يقوم بالعمل باسمه الخاص و بعنوانه الخاص مع تقسيم نتيجة العمل من ربح أو خسارة بين الشركاء حسب الشروط المتفقة عليها في ما بينهم من التساوي أو الاختلاف حسب تساوي الكفاءات أو اختلافها أو تساوي الأعمال أو اختلافها، لكن يجب ملاحظة أن لا يكون مثل هذه الشركة محرمة شرعاً، و إنما يجب أن يوفق مع القوانين الإسلامية حسب ما ذكرنا ذلك، فإن الشارع لم يرض بكثير من الأعمال و إن باشرها العقلاء، مثل معاملة الغرر، أو القمار، أو الربا، أو ما أشبه ذلك، و هذه

الشركة قد تكون بين اثنين أ، بين ثلاثة أو بين أكثر حسب المقرر عندهم. و في أخير السلم يأتي:

القسم السادس: و هي شركة المساهمة، و تتمتع هذه الشركة المساهمة بشخصية معنوية مستقلة عم شخصية أصحابها الذين يساهمون في رأس مالها، أي أنها وحدة قانونية قائمة بذاتها و لها حقوقها القانونية على ما ألمعنا إليه سابقاً، و قد ذكرنا أن مثل ذلك مشمول للكليات الشرعية و من

الفقه، الإدارة، ص: 55

ثمّ يمكنها أن تقاضي و تتقاضى، كما يمكنها مقاضاة حملة أسهمها و يمكن لحملة الأسهم أيضاً مقاضاتها كأنها فرد خارج عن المجتمع، و عن المساهمين، و لا تقتصر المساهمة فيها على الأشخاص، بل يمكن أ، تساهم فيها شخصيات معنوية أهلية أو حكومية لها وحداتها القانونية و الحقوقية، و تنقسم رأس مال هذه الشركة المساهمة إلى حصص صغيرة متساوية، مثلًا شركة تتكون من مليون دينار تكون المساهمة فيها بدينا أو بعشرة دنانير أو بخمسة دنانير أو ما أشبه ذلك، و كل حصة تسمى سهماً من غير فرق بين أن تكون الشركة المساهمة في مؤسسة ثقافية كالمعاهد، أو مؤسسة سياسية أو صناعية أو ما أشبه ذلك من الخدمات، كالمطارات و القطارات و المستشفيات و غيرها، و تتحدد مسئولية المساهم فيها بمقدار استثماره في رأس مالها، غير أنه يجب أن يسدد المبلغ الذي اكتتب فيه بالكامل، و إلا كان مسئولًا عن الرصيد المتبقي حسب المقرر في تنظيم تلك الشركة، و أحياناً توزع السهام التي على الأفراد في غضون سنة أو أكثر.

ثمّ أن لشركات المساهمة مزايا، منها: أن للمساهم الحق في تحويل أسهمه أو بيعها في أي وقت حس رغبته، فإن الحق ينتقل من تحويل أسهمه أو بيعها في

أي وقت حسب رغبته، فإن الحق فإن الحق ينتقل من صاحب الحق إلى السهم، فالسهم يمكن التقلب فيه كيف ما شاء صاحب الحق، و من مزاياها: أنه نظراً لصغر قيمة السهم غالباً و لسهولة تحويله أو بيعه أو ما أشبه تتمكن شركات المساهمة من جمع الأموال الوفيرة، و هي أقدر المنشآت على اجتذاب مدخرات المستثمرين و الأموال المسيبة و التي يتحيز أصحابها في كل من حفظها حتى في البنوك، حيث أن الحكومات تأخذ الضرائب و ما أشبه من المصارف، و من التصرف و التقلب فيها بالتجارة و نحو ذلك، بالمستثمر يمكنه المساهمة في هذه الشركات بكل سهولة، كما أن من مزاياه إمكان الانفصال عنها في أي وقت شاء و ذلك بخلاف الخال في الشركات الأخرى التي يشترط فيها أن يكون لدى كل مستثمر قدر كبير نسبياً من رأس المال حتى يمكنه الاشتراك في المشروع، كما يتمكن المساهم نم الانفصال عن المؤسسة و استرداد أمواله المستثمرة في أي وقت شاء و لا يتوقف على موافقة بقية الشركاء كما في غير شركات المساهمة، سواء ببيع سهمه أو تحويله أو ما أشبه ذلك، كما أن من الامتيازات في الشركات المساهمة غالباً: أنها بمقدرتها على مقابلة رغبات المستثمرين المتباينة نظراً لما تنتجه من فرص الاستثمار المختلفة تتمكن من جذل أكبر

الفقه، الإدارة، ص: 56

قدر من المال في سبيل الحصول على الأرباح الكثيرة، فبعض المساهمين حيث أنهم محافظون يتوسطون في غطاء الأسهم، و بعضهم حيث أنهم مجازفون يجعلون أموالًا كبيرة للأسهم، و بعضهم لقلة موارده أو ما أشبه يكون مساهماً في أسهم محدودة و لذا فالشركة المساهمة تصدر أنواعاً مختلفة من الأوراق المالية، سواء كانت السهم غادية أو ممتازة

أو سندات، و الفرق بين السندات و الأسهم أن الأسهم تمثل الملكية أما السندات فتمثل بين السندات و الأسهم أن السهم تمثل الملكية أما السندات فتمثل المديونية، و حملة السندات هم الدائنون للشركة بعكس حملة الأسهم فهم ملاك الشركة و على أي فالمستثمر يواجه تشكيلة متنوعة يختار منها ما يوافق غرضه و حالته و ظروفه الخاصة و مقدرته علة تحمل الأخطار. و منها: أن البنوك لتشجيع الصناعة أو ما أشبه حسب سياسة الحكومات أو حسب سياسة الجماعات الخاصة المشرفة على البنوك تعطي الشركات المساهمة تسهيلات و ترخيصات مما لا تعطيها للأفراد.

و منها: أن الشركة المساهمة إذا أشرفت على الإفلاس أو أفلست فالحكومات تقوم بأخذ عضدها حتى ترجعها إلى حالتها السابعة لما تتمتع بها تلك الشركات من الخدمات الكبيرة إزاء المجتمع.

و منها: أن هذه الشركات تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقرار نظراً لطول حياة المشروع التي قد تمتد إلى ما بعد حياة مؤسسيها و مديريها و هي دائمة من الناحية القانونية طال ما تكون اقتصادياتها سليمة و سيرها صحيحاً، و حياة هذه المؤسسات لا تتأثر بانتقال ملكية أيهما أو بما يحدث لمساهميها أو مديريها.

و منها: أنها تتميز بالمرونة من النواحي المتعددة كالتوسع في الإدارة، و الإدارة الحسنة، حيث أنها تملك رصيداً كبيراً من المال فإنها تتمكن من جذب أحسن المدراء و المفتشين و غيرهم، و حيث أنها قادرة على اجتذاب المستثمرين المختلفين يمكنها التوسع بسهولة نظراً لمقدرتها على الحصول على ما تحتاجه من أموال بدون صعوبة، كما أنه يساعد على توسع قدرتها على تكييف الأغراض المختلفة، و كثيراً ما تكون الشركة المساهمة ذات أنشطة مختلفة بها، فلا تصب أنشطتها في بعد واحد، و إنما تشترك في أبعاد

متعددة.

و منها: أن الشركة حيث كانت كبيرة و ذات مورد واسع من المال و غير المال يمكنها الاستعانة بالأخصّائيّين من فنيين و إداريين و أصحاب الاختصاص من ذوي المرتبات المرتفعة، و من المزايا التي تخصصها

الفقه، الإدارة، ص: 57

المكومات لمثل هذه الشركات ثمّ أن المساهمين أصحاب الحق في إدارة الشركات المساهمة، لكن حيث لا يمكن القيام لكل المساهمين بالإدارة لكثرة المساهمين غالباً يقوم المساهمون بانتخاب عدة أفراد منهم يقومون بإدارة الشركات بالنيابة عنهم بانتخاب عدة أفراد منهم يقومون بإدارة الشركة بالنيابة عنهم حسب مقررات الشركة من كل سنتين مرة أو كل أربع سنوات مرة أو ما أشبه، و غالباً يكون الانتخاب بحضور ممثل القضاء و شبه حتى لا يكون تزوير في الانتخابات، و هؤلاء المنتخبون هم أعضاء مجلس الإدارة، و من الغالب أن لا يتدخل المسهم في ما تتخذه الشركة من قرارات تنفيذية حسب المجلس المنتخب من قبل المساهمين، بل يوجه المساهم كل اهتمامه إلى ما تحققه الشركة من أرباح و ما تتبعه من سياسات متعلقة بتوزيع الأرباح و نحو ذلك، و لذا فمجلس إدارة الشركة المساهمة يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال عن أصحاب الأموال و المشروع، فإدارة الشركة المساهمة تتمتع بدرجة واسعة من الحرية في التخطيط و التنفيذ و اتخاذ القرارات، و تقسيم العمل و تفويض السلطة و ما إلى ذلك من عيوب الشركات و مزاياها.

أما العيوب التي يمكن أن تتسرب إلى هذه الشركات، فهي أيضاً عديدة: منها: إشراف الحكومة المتزايد على مثل هذه الشركات، فتظهراً لطبيعة الشركة المساهمة و لأهمية الدور الذي تلعبه في الحياة الاقتصادية أخذاً و عطاءً لا بد للحكومة من الإشراف الكثير على مثل هذه الشركة حتى لا تخسر،

و لا تتدهور، و لا تلعب باقتصاديات الناس أخذاً أو عطاءً، فهي تخضع لإشراف الحكومة و رقابتها في كل مرحلة من مراحل حياتها.

منها: أن الشركات المساهمة تتكون بمقتضى موافقة الدولة، و لا يمكن اعتبارها كأموال المواطنين العاديين فليس لها حرية التنقل من دولة لأخرى، نعم تتمكن شركات المساهمة أن تكون نفسها من الجنسيات المتعددة، بأن تظهر في كل دولة بمظهر تلك الدولة، و إن كان الواقع واحداً، و إذا ما تجاوزت حدود الدولة المنشئة فيها فإنها تخضع لقوانين الدولة المضيفة، و من الواضح اختلاف قوانين بالنسبة إلى الدول فنشاط الشركة المساهمة يتحدد و يتقيد إلى حد قد يكون كبيراً في الدولة المضيفة.

و منها: أن الشركات المساهمة لكثرة أخطارها و دخولها في الحياة الاقتصادية الواسعة تخضع عند إنشائها لإجراءات طويلة حكومية و أعمل مختلفة تسبب نفقات باهظة، و بهذا يتعذر على أكثر من المشروعات الصغيرة و حتى المتوسطة أن تتخذ شكل المساهم أو تتحول إليه، إلا إذا

الفقه، الإدارة، ص: 58

اندمجت المشروعات الصغيرة بعضها في بعض حتى تولد تياراً كبيراً تتمكن من الدخول في الحياة العامة بأبعادها المختلفة.

و منها: أن الشركات المساهمة في كثير من الحالات تصبح بأيدي إدارة أجيرة و ليست إدارة مندفعة، و مثل هذه الإدارة لا تتصف بالهمة و النشاط و الغيرة على العمل، تلك الصفات التي يتصف بها المالك عند إدارة مشروعه، و لذا السبب كثيراً ما يوجه إلى الشركات المساهمة نقد الملكية الغائبة و الجهود غير الشخصية، و هي نتائج مترتبة عن الفصل بين ملكية المشروع و بين إدارته غالباً، إلا أن تكون الشركة بحيث تحاط بجملة من وسائل الأعلام و الضغوط و الجماعات الضاغطة و ما أشبه مما تجعل

إدارتها دائماً إدارة مندفعة أو مكونة من نفس الأشخاص أصحاب الأموال الكبيرة، حتى يكون لهم الإدارة و الاندفاع معاً،

و منها: أنه على الرغم من قيام الشركات المساهمة على أساس الاستشارية (الديمقراطية) المالية أي قيام حملة الأسهم في اجتماعاتهم السنوية بانتخاب أعضاء مجلس الإدارة الذي يقوم بإدارة الشركة نيابة عنهم إلا أنها يتمكن بعض المديرين و المساهمين من تحقيق مصالحهم الشخصية بدلًا من العمل لصالح المجموع، و أحياناً يكون بعض المديرين يقدمون بعض المزايا لكبار المساهمين حتى يضمنوا إعادة انتخابهم و السكوت عليهم فيما يفعلون، بينما كثرة من المساهمين لا يريدون ذلك، و ذلك على حساب بقية المساهمين، كما أن بعض كبار المساهمين قد يتعصبون ضد بعض أعضاء مجلس الإدارة و يعملون على عدم إعادة انتخابهم، و قد ينقسم المساهمون إلى جماعات كل منهم يعمل على حساب الأخر.

لكن هذا عيب لا بد منه في قبال الدكتاتورية، فإن كلًا من الدكتاتورية و الاستشارية لها عيوب و لها محسنات لكن محسنات الاستشارية أكثر من عيوبها كالعكس، و هو أن عيوب الدكتاتورية و الاستبداد أكثر من محسناته. و من التهافت الشائع في ألسنة جماعة من المثقفين كلمة (الدكتاتور العادل) و هل يمكن أن يكون دكتاتوراً يأكل حقوق الناس ثمّ يكون عادلًا يعطي حقوقهم، أن الحق لا ينحصر في المال و نحوه، بل إن الحق السياسة، و الدكتاتور يأكل حقوق الناس في السياسة و لا يستشيرهم، و لا يكون كأحدهم، و نما يستبد بالحكم، ثمّ هل يكون بعد ذلك عادلًا؟ هذا غير ممكن، و إن كان يراعي جوانب الاقتصاد و الاجتماع و التربية و ما أشبه.

نعم: إذا فرضنا صحة هذه الكلمة و هو فرض محال فذلك بمعنى أنه أقل ظلماً

من الذي يأكل أيضاً اقتصاد الناس و اجتماعهم و ثقافتهم و غير

الفقه، الإدارة، ص: 59

ذلك، مما هي طبع الدكتاتوريين على طور التاريخ، ثمّ أن من شبه المحال أن يكون دكتاتور عادل بمعنى أنه يعطي الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و التربوية و غيرها و يكون دكتاتور في السياسة، فإن الدكتاتورية كالديمقراطية (الاستشارية) لا يمكن أن يكون في جهة دون جهة، و هل يمكن أن يكون إنسان صحيح نصف جسمه شلل و نصفه غير شلل فإن نصف الشلل يسري إلى النصف غير الشلل، حيث يشل حركات هذه النصف الذي يسمى بالصحيح، أو بغير الشلل يؤثر على النصف غير الشلل لا أن النصف غير الشلل يؤثر على النصف الشلل، و هنا الدكتاتورية تؤثر على الديمقراطية أو الاستشارية في الاقتصاد و الاجتماع و ما أشبه، لا أن الاستشارية نؤثر على النصف الشلل بالدكتاتورية، و على هذا فهذا مبحث خارج عما نحن فيه. و من الاستطراد في الاطراد أن نقول: أن الأحزاب التي تتولى الحكم بالدكتاتورية لا يمكن أن تعمل بالعدالة الاجتماعية و الديمقراطية و الاستشارية، و هو سر سقوط الأحزاب في العالم الإسلامي بل في العالم الثالث مطلقاً، أما سقوطاً بعدم الوصول إلى الحكم إطلاقاً، و أما سقوطاً بالانهيار بعد الوصول إلى الحكم.

أولًا: الدكتاتور لا يصل إلى الحكم لأن الحزب غير مغر، لا لأفراده الذين كانوا منظمين إليه لأنهم لا يثقون في الحزب حتى يبذلوا قصار جهدهم للتقدم إلى الامام فإن الفرد في الحزب يعلم أنه في الدرجة الثالثة مثلًا مهما ارتفع و كانت له الكفاءات أو الدرجة الثانية، أو الدرجة العاشرة و مثله لا يكون مندفعاً للعمل بخلاف الذي يحتمل أن يصل إلى الدرجة

الأولى و هو في الدرجة العاشرة، أو أن يصل إلى الدرجة الرابعة و هو في الدرجة السادسة إلى غير ذلك، فإن اندفاعه يكون كثيراً و يكون له دم دفاق يحفزه للإمام، و غير أعضاء الحزب لا يسيل لعابهم للالتحاق بهم حتى يأخذوا في التوسع و الانتشار، و هل مثل هذا الحزب الذي ينكمش على نفسه يتمكن من الوصول إلى الحكم.

و ثانياً: إذا فرض وصولهم إلى الحكم و لم نجد حزباً من هذه الأحزاب وصل إلى الحكم إلا بمعونة المستعمر (و هذا شي ء طويل ذكرناه في كتاب مستقل) فإذا فرض وصوله إلى الحكم مارسوا نفس الطقوس الدكتاتورية في الحكم، لأنهم ربوا عليه و تربت أنفسهم و مناهجهم بقالب الدكتاتور، و من شب على شي ء شاب عليه (كما يقول المثل).

الفقه، الإدارة، ص: 60

و لذا فمن اللازم أن يكون الحزب من أول نشأته استشارية بالانتخابات، و علامتها تبدل الرئيس و المدراء و الأعضاء الكبار، كما يمارس مصل ذلك الديمقراطيون فيما يسمى بالعالم الحر.

و لنرجع إلى البحث السابق، و هنا مشكلة في الشركات السهمية، و هي أن الانتخابات بإدارة الشركة هل تخضع الأسهم أو للأفراد، فالأول يوجب بقاء الإدارة في أيدي عدة لهم أسهم كبيرة فإذا كان هناك مثلًا ألف و واحد من الأشخاص لأولئك الألف ألف سهم لكل واحد سهم و لهذا الشخص الواحد ألف سهم هل يكون هذا الواحد له من الأصوات في الانتخابات بقدر أولئك الألف إنسان، و هل هذا من العدالة أن يكون الأمر كذلك، و إذا فرض أن يكون صاحب الألف صوت واحد كصاحب السهم الواحد فهل من العدالة أن يكون الأقوى اقتصاداً كالأضعف؟ و لذا يجب أن تحل هذه المشكلة بالتوسط بين

تلك المشكلتين: مشكلة الأفراد و مشكلة الأسهم، و هذا غالباً ما يجب أن يكون بمراجعة أهل الخبرة الذين يرون التوسط في الأمر، أو بمراجعة الجهات القانونية التي وضعتها القوانين حسب فكرة جماعة من العقلاء المحايدين من مجلس الأمة أو سائر الجهات الحائزة للصلاحية القانونية، لكن يجب أن يكون القوانين بالنسبة إلى الصغريات مؤطرة بإطار الشريعة الإسلامية كما ذكرنا تفصيل ذلك في الكتب السياسية.

[الحرية التي منحها الله سبحانه و تعالى]

(مسألة) الحرية التي منحها الله سبحانه و تعالى للإنسان و قررها الإسلام في غير المحرمات تقتضي وجود كل الأشكال المتقدمة للمؤسسات و المنشآت في الحياة العملية للاجتماعات و قيامها بالأوجه المختلفة من النشاط هذا بالإضافة إلى حاجة الإنسان إلى كل تلك الأشكال مما يمكن المساهمة فيها في المنشآت بمختلف أبعاد الحياة، و دراسة الوحدات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و غيرها تدل على أن شكلًا معيناً قد يسود ميداناً معيناً من الميادين بينما لا يصلح في ميادين أو أوجه نشاط أخرى، و أحياناً قد يكون شكل المنشئة من الأمور القانونية حيث لا اختيار لأصحاب المشروع، فاختيار أصحاب المشروع من ناحية و الأمور القانونية من ناحية ثانية، و الاقتضاءات الاجتماعية من ناحية ثالثة بمجموعها تحدد الأشكال في المؤسسات المذكورة، فمثلًا تنص قوانين الكثير من الدول على أن جميع المنشآت التي تقوم بأعمال البنوك أو التأمين يجب أن تتخذ شكل الشركات المساهمة، لكن من الواضح أن مثل هذه القوانين لا أهمية لها بالنظر الإسلامي، إذ الإسلام أعطى الحرية لكل الناس في كافة الأمور باستثناء المحرمات التي نص عليها، سواء

الفقه، الإدارة، ص: 61

المحرمات الأولية كالقمار و الخمر و ما أشبه، أو المحرمات الثانوية التي ينطبق عليها دليل لا ضرر و لا حرج و

لا عسر و ما أشبه ذلك من الأدلة الثانوية التي قد تتدخل في الميدان فيقلب العنوان الأولى إلى نفسه، فإن الإسلام بمرونته المعروفة جعل بعض الجائز حراماً أو واجباً حسب قانون لا ضرر، فإذا كان بقدر كثير حرم ذلك الشي ء، و إذا كان بقدر قليل بالنسبة إلى الإنسان نفسه أو الغير فيما إذا رضى جعله جائزاً، كما أنه في العكس جعل بعض الواجبات جائزاً أو جراماً بحسب تلك العناوين الثانوية، فإذا أوجب الواجب ضرراً متزايداً حرم و الإنجاز، و إن كان فيه ضرر قليل جداً بقي على وجوبه كالصوم الذي يوجب العمي، فإنه حرام و إذا أوجد مرض أسبوعاً مثلًا جاز و إذا أوجب ضعفاً متعارفاً بقي على وجوبه، و هذه المسألة مذكورة في المباحث المتعرضة لدليل لا ضلالا، و على أي فإذا فرض إن أمام مريدي التأسيس بدائل مختلفة و يتحيرون في تطبيق أي تلك البدائل يأتي السؤال الذي يفرض نفسه، و هو ما الشكل الذي يتخذه الشروع المقترح تأسيسه، و في الجواب نقول: أن اختيار شكل معين يتوقف على الهدف من إنشاء المشروع و على الظروف المحيطة به حيث أن هناك عوامل خارجية و داخلية تحكم اختيار الشكل المناسب، و على منظم المشروع الاسترشاد بها و من تلك العوامل المقدرة.

أولًا: تدبير الأموال اللازمة للمشروع، سواء كانت المؤسسة اقتصادية أو غيرها، فإن كل منشئة بحاجة إلى أموال كافية ابتداء و استمراراً.

ثانياً: إجراءات التكوين و التدخل الحكومي.

ثالثاً: الضرائب المقررة على المشروع من قبل الدولة.

رابعاً: الإدارة، و نشير هنا استطراداً إلى أن الضرائب كلها محرمة في الشريعة الإسلامية، فإن الضرائب المقررة في الإسلام عبارة عن الخمس و الزكاة و الجزية و الخراج، أما سائر الضرائب التي

تؤخذ في الحكومات الحاضرة فكلها محرمة، و قد ذكرنا في كتاب فقه الاقتصاد تفصيلًا حول أن الإسلام كيف يتمكن أن يدير شئونه الواسعة بهذه الضرائب الأربع، لكن ليس الكلام الآن في هذا الموضوع و إنما في الأمر الواقع، هو أن الحكومات تأخذ الضرائب على المؤسسات و المنشآت، فاللازم على من يريدون إقامة المشروع أن يلاحظوا خصوصيات الضرائب في جملة ملاحظاتهم عند إقامة المشروع.

و لنتكلم حول هذه البنود الأربعة بشي ء من التفصيل و التوضيح. أما الأمر الأول، و هو المقدرة على تدبير الأموال اللازمة، فإذا كان الأفراد

الفقه، الإدارة، ص: 62

المهتمون بالقيام بالمشروع أما بقصد استحصالهم على الموالي في مقابل خدماتهم، و أما بقصد تقديم الاجتماع إلى الامام في بعد من الأبعاد كالبعد الثقافي أو السياسي أو الصحي أو غير ذلك، فإذا كانوا يملكون الأموال اللازمة و كانوا في نفس الوقت مستعدين لتعريضها للأخطار أو اقتحامهم في المشاكل التابعة لذلك المشروع لم تواجههم مشكلة تدبير المال اللازم و تنتفي أهمية هذا العامل بالنسبة لاختيار شكل المنشئة، و يحدد اختيار العوامل المختلفة الأخرى التي قد لا يملكونها و لا يتمكنون من المواءمة معها، أما مسألة تدبير الأموال بالنسبة إلى أين لا يملكون المال و المؤسسة تحتاج إلى المال سواء كان بحاجة إلى المال كثير أو قليل، فهي تعتبر مشكلة مهمة إذا لم تكن نهاك جهة تزودهم بالمال الكافي فلا بد لهم من الالتجاء إلى الجمع في هذه الحالة لا بد من اختيار الشكل المعين الذي يسهل عملية التمويل، أو بعبارة أخرى الشكل الذي يتمكنون من اجتذاب الممولين، سواء كانوا أفراداً أو جهة حكومية أو بنوكاً مؤسسة لمثل هذه الشئون أو غير ذلك.

ثمّ أن في تدبير المال

يلزم الموازنة بين الأرباح و الخسائر مثلًا قد يعطي الشخص المال للمؤسسة في قبال أرباح قليلة في العمل المضارب و قد يعطي في قبال أرباح كثيرة، فاللازم ملاحظة كثرة الأرباح مهما أمكن لنكون الإدارة قادرة على اجتذاب أكبر عدد ممكن من الممولين، و إمكان الانصاف أن يكون الربح موزعاً بين رأس المال و العمال و المديرين و المعمل الذي يستهلك كل عام منه بقدر مثلًا كل حسب حصة الواقعية إلى غير ذلك، هذه في المؤسسة الاقتصادية و قد يكون المشروع إقامة معهد ثقافي، أو مستشفى للصحة و العلاج أو ناد للتربية أو غيرها، و عليه فمن اللازم لتمويل هذا المشروع الذي لا يتمكن من القيام بإدارة نفسه صب بعض المال في الاستثمارات الخارجية حتى يغطي النواقص للمؤسسة المزمع إنشائها لهدف إنساني أو نحو ذلك.

و أما الأمر الثاني: و هو إجراءات التكوين و التدخل الحكومي، فإنها تختلف باختلاف أشكال المؤسسة، فبالنسبة إلى المشروعات الصغيرة ذات رأس المال المحدود في الأمور الاقتصادية مثلًا يجب مراعاة سهولة إجراءات التكوين إلى جانب قلة النفقات اللازمة، و قد تقدم أن الشروع الفردي هو أبسط أشكال المؤسسات الاقتصادية، و يمكن تكوينه بأقل قدر من النفقات و الإجراءات القانونية، أما في حالة تعدد الشركاء شركة التضامن تحتاج أيضاً إلى قليل من النفقات و الإجراءات و إن كان فوق المشروع الفردي

الفقه، الإدارة، ص: 63

على ما تقدم، و لكن التدخل الحكومي الذي هو أيضاً إجراءات التكوين يظهر بوضوح في شركات الأموال، خصوصاً إذا كانت الشركة شركة مساهمة، فإنها بحاجة إلى نفقات أكثر و جهود أوفر، لأنه ينطوي على الكثير من إجراءات الرسمية و نفقات قانونية، كما أن الحكومة تتدخل في كل مرحلة

من مراحل حياتها، أن ينظم القانون كيفية قيام الشركة و كيفية إدارتها كما ينظم كيفية بقائها و الانتخابات التي تفرض لها بين حين و حين.

و أما ثالث الأمور و التي هي الضرائب، فإنه ينبغي على مؤسسي المشروع أن يدرسوا قبل التأسيس مقدار الضرائب التي تأخذها الحكومة، فيختاروا البدائل الممكنة، حيث أن الضرائب الحكومية تختلف من شكل إلى شكل حسب موازين حكومية معروقة، و لا شك أن ارتفاع الضرائب على بعض الأشكال قد يؤدي إلى تجنبها و اختيار أشكال أخرى لا تتعرض لمثل هذه الضرائب خصوصاً إذا كانت الضرائب تصاعدية فمثلًا في كثير من الدول تفرض ضرائب خاصة على شركات المساهمة مقابل المزايا التي تحصل عليها نتيجة لخلق الدولة لتلك الظروف الملائمة لتلك الشركات و بالأخص إذا كانت الدولة تجعل أرصدة في البنك و ما أشبه لأجل تشجيع تلك الشركات، فإن الدولة تريد في مقابل التشجيع المال، و أحياناً تكون الضرائب مرهقة إلى حد كبير، فاللازم على المساهمين ملاحظة ذلك بدقة حتى لا ينتهوا إلى مشكلة لا يريدون التورط فيها، و من الملاحظة أن صاحب المشروع الفردي يدفع ضريبة على وارداته سواء تركها في المشروع أو سحبها أو أ هذه كمرتب، أما في شركات التضامن فيدفع كل شريك على حدة الضريبة على وارداته سواء سحبها أم تركها في الشركة، هذا حسب الشرط المقرر بين المتضامنين في الموضوع، و الأمر يختلف في الشركة المساهمة و المنايا التي تدفع إلى حملة الأسهم تعتبر من مصروفات الشركة التي ينبغي أخذها في الحسبان قبل الوصول إلى صافي ربح الشركة الخاضعة للضريبة، و منها يتبين احتمال اختلاف مقدار الضريبة من شكل أخر، كما أ، من صور اختلاف الضريبة ما إذا كانت

الحكومة تريد إنشاء هذه الشركة فتخفف الضرائب عليها، بينما إذا كانت الحكومة لا تريد إنشاء الشركة من جهة توفر تلك البضاعة أو ما أشبه فإنها تثقل في الضريبة تحديداً لانتشار مثل هذه الشركة، أما في الحكومات تحت الاستعمار و لو الاستعمار الاقتصادي ظاهراً أو خفياً كأكثر بلاد الإسلام التي نعايشها، فإن الحكومة قد تثقل الضرائب على الشركات لأدل أنها تريد إرضاء أسيادها المستعمرين بجلب البضائع منهم، فإذا تمكن

الفقه، الإدارة، ص: 64

الشعب من الاكتفاء الذاتي بالشركات لم تتمكن الحكومة من جلب البضائع من الخارج لإرضاء الأسياد، و لذا أنها حيث تريد بقائها في الحكم يكثر الضرائب على المنشآت المرتبطة بذلك، كما نجد مثل ذلك في اللحوم و المعلبات و الحنطة و ما أشبه في أكثر بلاد الإسلام، حيث أنها تستجلب من الخارج لإرضاء الأسياد حتى يسمحوا لهم بالبقاء في الحكم أكثر، و بذلك يحطمون الاقتصاد الوطني، و يجعلون الضرائب الثقيلة على منظمي تلك الشركات، بالإضافة إلى المعرقلات الأخرى التي يوجدونها أطراف المؤسسات حتى لا تنشأ أو بموت بعد الإنشاء. أما الأمر الرابع، و هو الإدارة، فالكلام في ذلك ما ألمعنا إليه سابقاً، حيث يتمتع صاحب المشروع الفردي بحق مطلق في إدارة مشروعه و رقابة أمواله و صرفها كيف ما يشاء دون أن ينازعه في ذلك الحق غيره، فوظيفة الملكية و الإدارة تندمجان في المنشآت الفردية و تكونان بيد الشخص المالك، لكن قد تقدم أن مثل هذه المؤسسات غالباً يكون صغيرة الحجم قليلة الفائدة و قصيرة العمر، و بالنسبة إلى شركات التضامن يشترك كل الشكاء المتضامنين في إدارة الشركة، و يتمتع كل شريك بحقوق متكافئة أو غير متكافئة، حسب الشرط مما يلزم تحديد مدى تدخل

كل شريك، و عادة يحدث اتفاق بين الشركاء على تقسيم السلطة فيما بينهم، أما تقسيماً بالموازاة و المواساة و المساواة، و أما تقسيماً حسب الأعمال كما تقدم في بعض الأمثلة، حيث يقوم كل شريك متضامن بعمل في بعد من أبعاد الشركة، و على كل حال فمثل هذا الاتفاق سواء كان بهذه الصورة أو تلك الصورة لا يخرج عن كونه تنظيماً داخلياً لا ربط للغير به، كما أن الحكومة غالباً لا تتدخل في مثل هذه الشركات إلا بحدود محدودة.

أما شركات التوصية، فيظل مركز الشريك المتضامن كما هو في شركة التضامن، و لكن الشركاء الموصين لا يتدخلون في الإدارة نظراً لعدم مسئوليتهم بذلك، و إنما هم يريدون الأرباح فقط، و بالتالي تقل رقابة هؤلاء الشركاء الموصين على أعمال الشركاء المتضامنين، سواء كانت الشركة استثمارية أو كانت الشركة لجهة إنسانية كالمستشفيات و المطارات و القطارات و المعاهد و ما إلى ذلك.

تبقى شركات المساهمة، حيث الفصل بين الملكية و الإدارة، فإن هذه الشركات تدار أعمالها بواسطة مجلس الإدارة المنتخب من قبل المساهمين الذين هم أصحاب رأس المال في اجتماعاتهم السنوية أو الأكثر من السنوية أو الأقل حسب المقرر، و لا يتدخل المساهمون في إدارة أعمال

الفقه، الإدارة، ص: 65

الشركة، بل يعتمدون على ثقتهم في رجال مجلس الإدارة الذين انتخبوهم، كما أن مجلس الإدارة لا يتمتع بحرية مطلقة في القيام بالأعمال كما يريد، بل هم مقيدون حسب الشروط الواردة في عقد الشركة، بالإضافة إلى أكثرية الآراء، و إذا كان العدد متساوياً مثلًا فالاقتراع، أو يجب عليهم أن يراجعوا بقرارات الجمعية العمومية للمساهمين، فنّ المشاكل التي لا تحل لا بقانون الشركة و لا بأكثرية الآراء، و لا بالاقتراع المرجع حينئذ

هي الجمعية العمومية، و هذا ما يتفق أحياناً في المفاجات كالحروب إذا وقعت أو السيول أو الزلزال إلى غير ذلك، نعم المساهمون لهم الحق الأخير في الرقابة على أعمال الشركة، و يظهر ذلك في حقهم في إعادة أو عدم إعادة انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، و في حقهم أحياناً في إقالة المجلس أو بعض أفراده أو زيادة بعض الأفراد في المجلس، كما يتفق ذلك بالنسبة إلى مجالس الإدارة إذا كانت ضعيفة، أو وقعت مفاجآت من موت أو جنون أو إقصاء أو سجن أ، ما أشبه.

ثمّ قد تكون الشركة مرتبطة بما يصطلح عليه من القطاع العام (لا القطاع الخاص) و المراد بالقطاع العام الدولة، حيث هي التي تقوم بالشركة لحاجة المجتمع من دون فرق بين أن يكون الدولة اشتراكية أو رأسمالية بمعناها الإسلامي، أو بمعناها الغربي على ما ذكرنا تفصيل ذلك في بعض كتبنا الاقتصادية، و يشمل هذا البحث كل نشاط مرتبط بذلك البعد الذي هو في طريق عمل المدير، سواء كان بعداً صناعياً أو تجارياً أو مالياً أو زراعياً أو عقارياً أو ثقافياً أو غير ذلك من مختلف الأنشطة.

[الإدارة و القوى الربع التشريعية و التي نسميها بالتأطيرية]

(مسألة) الإدارة و القوى الربع التشريعية و التي نسميها بالتأطيرية لأنه ليس في الإسلام تشريع، و إنما تطبيق للكبريات الكلية على الصغريات الجزئية، كما قال (عليه الصلاة و السلام): (علينا الأصول و عليكم الفروع) و التنفيذية و الفضائية و الإعلامية تتداخل بعضها في بعض.

فإن تشابك الحياة من ناحية و تعقدها من ناحية ثانية سبباً أن تكون الإدارة خصوصاً في الشركات الكبرى الاقتصاد أو المؤسسات الكبيرة الاجتماعية أو الثقافية أو غيرها ذات جهاز خاص يعني بهذه الشئون الأربعة، و إلا فربما يقرر في مجلس الأمة قوانين تضر الشركة

تحديداً أو ضريبة أو تحريفاً، أو أحياناً غلقاً أو ما أشبه ذلك، و حتى لنفرض في العالم الإسلامي و التقنين تأطير لا تشريع، و القوانين إسلامية بحتة يمكن ذلك في مجلس الأمة، حيث أن أمام المؤطرين بدائل، بعض البدائل يضر بالإدارة و بعضها لا يضر، مثلًا ليس للدولة مال بقدر كاف حتى يستخدمه في

الفقه، الإدارة، ص: 66

الزراعة و الصناعة معاً و كلاهما محتاج إليه مما تضطر الدولة إلى جعل الثقل في استخدامه في أحدهما، و لنفرض أن كليهما من ناحية الشريعة الإسلامية على حد سواء في الجواز، فإن الإداري إذا رأى الضرر في جعل الثقل في الزراعة له أن يضغط على جماعة التأطير لجعل الثقل في الصناعة حتى لا يضر إدارته، بل يماشيه إلى الامام، و يقال مصل ذلك في القوة التنفيذية و القوة القضائية، أما الإعلام فواضح أمره بأنه محتاج إليه:

أولًا: من جهة الإعلام عن المؤسسة لجلب الزبائن و المشترين و الهواة.

و ثانياً: للضغط على الجماعات المحتفة بهذه القوى الثلاث، فإن من المعلوم أن كلًا من القوى الثلاث محفوفة بأطراف كثيرة، مثلًا قوة التأطير محفوفة بالأحزاب و المنظمات و النوادي و جماعات الضغط و الجرائد و المجلات و الإذاعات المرئية و اللامرئية التي تحتف بهذه القوة إلى غير ذلك و كذا سائر القوى فاللازم على الإداري تهيئة الأجواء المناسبة حتى يصل إلى مأربه، و إلا فيقف في أثناء الطريق، و أحياناً تلغى إدارته إطلاقاً، و حيث ليس للسياسة خصوصاً السياسة العامة بدء و لا نهاية فرجل السياسة العملي و المناور السياسي هو الذي يعرف هذا، كما يدرك أن القوى التي تنتج عنها السياسة العامة كما تعتبر عنها القوانين تستغرق وقتاً طويلًا حتى

تتطور و تصبح واضحة المعالم و تتبلور في صيغ خاصة خارجية، و أنه يندر أن تسوي المشكلات تسوية نهائية، و إنما غالباً تسوى المشكلات تسوية وسطية، و فوق ذلك، فإن جماعات الضغط و الأحزاب السياسية و الرأي العام و غيرها مما ألمعنا إلى جملة منها كل ذلك تختلف معاً فيما يجري لأي سياسة عامة خلال قيام المشروع بتشكيلها، و لذا فمن الواجب على المدير أو هيئة الإدارة أو من أشبه أن يراقب كل ذلك بتؤدة و تدرج، و إلا فقد يفوته القطار كما في المثل و بذلك يظهر أن كلًا من السياسة و الإدارة و كذلك بالنسبة إلى القوى الثلاث الأخرى التي ذكرناها وجهان لعملة واحدة، و هذه العملة هي العلاقات الإنسانية التي جانب منها الإدارة و جانب منها السياسة و القضاء و التنفيذ و الإعلام، فإنه على رغم اختلاف مجال العمل و مظهره بين المشرعين و القضاة و المنفذين و الإداريين و الإعلاميين، فإن كلًا من هذه الجوانب يهتم بنفس العناصر من العملية الإدارية، مثل كيفية حل مشكلات معينة كشمول التأمين الاجتماعي أو المساعدة التي تقدم للتعليم أو التحكم في مورد مثل الغاز الطبيعي أو التنظيم الذي يحقق هذا الغرض، و الطرق التي تستخدم في ذلك أو مسايرة أصحاب السلطة و بالعكس إلى غير ذلك، مما تترتب على العلاقات

الفقه، الإدارة، ص: 67

الإنسانية العامة، فعملية رسم السياسة عبارة عن التفاعل بين العناصر منها الأفكار و الأنظمة و المصالح و الأفراد، و الإداريون لهم نصيب كبير في هذا المجال، و لا يخفي أنه لا يعني ذلك أن الجماعات الإدارية تركز على مصالحها الذاتية دائماً و تهتم ببرامجها الخاصة بغض النظر عن كل اعتبار آخر،

بل أنها تعتمد أيضاً على ضرورة توازن عادل بين المصالح و الأخذ و العطاء، و المساومة و الارتفاع فوق المصالح الضيقة باستكشاف المصالح العامة الكبرى، فإن الإداريين ليسوا دائماً أصحاب مصالح خاصة و أصحاب نظريات ضيقة، و إنما كثير منهم، إنسانيون يريدون العدالة الاجتماعية و تعميم الخير للجميع، نعم لا شك في أن طبيعة الإنسان أنه يريد الخير لنفسه و يدفع الضر، كما أنه غالباً ما تتعارض المصالح فالمصلحة هنا في صورة و المصلحة هناك في صورة أخرى و هما متضاربتان، و لذلك نمثل بهذا المثال: إن الطبيب الجيد هو الذي إذا طلبه المريض هرع إليه بينما عائلة الطبيب لا يريدون أن يهرع الطبيب في نصف الليل إلى المريض لأنه يزعج نومهم و راحتهم، فالمصلحة بين العائلة و بين المرضى متضاربة و الطبيب بينهما، فلا بد و أن يلائم بين هذه الجهة و هذه الجهة، فإن قدم تلك المصلحة فأتت هذه المصلحة، و إن قدم هذه المصلحة فأتت تلك المصلحة و هلم جراً، هذا بالإضافة إلى اختلاف الاجتهادات في الإنسان حقيقة.

فمثلًا: بعضهم يريد تقديم الزراعة و بعضهم يريد تقديم الصناعة، و الذين يريدون تقديم الصناعة هم يختلفون على أنفسهم، فبعضهم حسب اجتهادهم يلزمون تقديم الصناعات الكمالية كالبرادات و الغسالات و الدراجات و ما أشبه ذلك من الحوائج التي تعد ثانوية بالنسبة إلى الحوائج الأولية، و حيث يحتل الإداري مركزاً يمكنه من ممارسة قدر ضخم من التأثير في رسم السياسة، بل و رسم القضاء و التنفيذ، فاللازم أن يستهدي في اتخاذ قراراته إذا كان حيادياً، و مصلًا لمكونات الصالح العام، و الإشكال على ذلك بأن مفهوم الصالح العام مفهوم غير واضح و يمكن التوسع فيه بتفسيرات

كثيرة غير وارد، فإن أي مفهوم حتى مفهوم الوجود شي ء يمكن أن يفسر بتفسيرات كثيرة، و لذا قال الحاج السبزواري (رحمه الله) (مفهومه من أعرف الأشياء و كنهه في غاية الخفاء) لكن في النظام الحر القائم على الاستشارية و تبادل الآراء لا بد و أن يكون الصالح العام شيئاً وسطاً، لا بمعنى أن يجلبه هذا إلى نفسه أو أن يجلبه ذلك إلى نفسه، أو أن تساند الحكومة مثلًا هذا الطرف ضد الطرف الآخر، أو ذلك الطرف ضد هذا

الفقه، الإدارة، ص: 68

الطرف، و إنما يجب أن تعمل كمنصف يعطي النصف لهذا الطرف و النصف لذاك الطرف مما يسمى بالحل الوسط بينهما مستندة في كل حالة على ما تقدم حسب نظر الخبراء الحياديين بالصالح العام الذي يدعم الاستقرار الاقتصادي و السلام و التقدم و الإيمان في مثل البلاد الإسلامية و سائر البلاد التي تؤمن بالله و اليوم الآخر. ثمّ أن من الواضح أن الإداري لا يتمكن أن يجلس في مكتبة في هدوء يفكر في مختلف البدائل مسترشداً في قراره الذي يريد تغيير السياسة في صالحه بما يقدر أنه الصالح العام حتى إذا كان رجلًا إنسانياً و حيادياً إلى أبعد الحدود ثمّ يضع قراره موضع التنفيذ بما يصدره من تعليمات أعدها في جو منفرد هادئ، أو في جو استشاري مع سائر زملائه؟ أنه حتى إذا حاول ذلك.

فأولًا: الهدوء في مكتبه لا يبقى مستمراً بل يقطع سبب جماعات الضغط بالتلفونات أو باللقاءات الشخصية ليأخذ جانبهم في هذا الأمر، و سوف يدعونه للغداء أو لحفلات الاستقبال و العشاء أو يقدمون له الهدايا، و لذا فالكثيرون يذهبون إلى أن واجب الإداري كواجب الوالي عليه أن يرفض الهدايا و عروض

المزايا و الخدمات غير السليمة، فإن قبول الهدايا و نحو ذلك يزيد من المؤثرات و الأخطار التي يحتمل أن تتعرض لها عملية اتخاذ القرار عند ما تقع المصالح الخاصة، أو مصالح الجماعة المتعارضة في الميزان في تنفيذ برنامج عام.

و ثانياً: الإداري يجب أن يكون في نفس الوقت سياسياً يفهم السياسة كاملًا، و إلا فجماعات الضغط المخالفة و السياسة سواء بجانبها التشريعي (التأطير) أو بجانبها المنظمات و الأحزاب و ما أشبه، تؤثر على الإدارة تأثيراً يدعها قليل الوفر كثير التكليف، و يكون بالآخرة خيانة بالنسبة إلى كثرة من المساهمين، أو إلى جميعهم و كذلك بالنسبة إلى سائر الإدارات الثقافية أو الصحية أو التربوية أو ما أشبه ذلك فالواجب على من يتهيأ لوظيفة الإدارة أن يتزود بحصيلة من الفلسفة و الاقتصاد و التاريخ للالتحاق و ما أشبه ذلك، حتى تتوفر له نظرة واسعة للسياسات و القرارات الاجتماعية بدلًا من نظرة الخبرة الضيقة التي يتصف بها الفني فإن نظرية الخبرة الضيقة في مزدحم الأنظار و الأفكار و الضغوط لا تكون إلا كما قال الشاعر: (

كريشة في مهب الريح طائشة لا تستقر على حال من القلق

) فإذا لم يكن الإداري متصفاً بهذه الصفة فكثيراً ما يتخذ قراراً خاطئاً يسبب مشكلة كبيرة لإدارته فإذا ما اتخذ شخص بحضرة خبرته على أن يفهم تخصصه فحسب القرار تكون النتائج منحرفة إلى ذات اليمين، أو

الفقه، الإدارة، ص: 69

ذات الشمال أو ضحلة أو ضئيلة، مما يضر الإدارة، و لذا فاللازم أن يتخذ الفرار إداريون لهم إحاطة بنواحي السياسة العامة العريضة و الصالح العام، نعم يجب أن يلاحظوا أيضاً مصالحهم الخاصة، و مصالح المساهمين، أو القطاع الذي يقومون بالخدمات لهم، سواء كانت

لهم خدمات صحية أو ثقافية أو غير ذلك، و ما ذكرناه بالنسبة إلى المديرين و الإدارات الخاصة في قطاع الناس يصدق بصورة أكثر بالنسبة إلى الإدارة العامة التي هي عبارة عن الحكومة، سواء كان الحزب في الجناح الحكومي، لأن الحكومة عبارة عن تهيئة مستمرة داخل الحكم و خارج الحكم، حتى تتكون في نفسية المجموعة العاملة للجانب السياسي صور واضحة المعالم من الاجتماع الصالح، و مما يقومون به في داخل الحكم، بل أو خارجه، عند ما يوردون الضغط على الحكومة، اللازم على الإداري أن يكون مفعماً بحالة إقناعية يتمكن من إقناع الأطراف المعينة لوجهة نظره التي يراها سليماً، فإن الرئيس الإداري الذي يقابل الأطراف المعينة يلزم عليه أن يعمل جاهداً لإقناع هذه الأطراف بوجهة نظره حتى لا يعرض برنامجه للتعثر بسبب فشله في هذا الإقناع، أو يتعثر بسبب آخر، و كذلك فإن عليه أن يتحمل المسئولية في اتخاذه التشريعات اللازمة لتسيير إدارته نحو الهدف المطلوب و للحصول على المال اللازم لنهوض إدارته بعملها، و على ذلك فاللازم عليه أن يعرف كيف يستطيع أن يلائم بين الأطراف المعينة المتضاربة المصالح حتى يتمكن من تنفيذ خططه في مزدحم ينظر بعضهم إلى بعض نظر العداء، و كلهم ينظرون إليه يريد جلبه إلى جانبه، و هو قد لا يراه لا هذا الجانب و لا هذا الجانب، بل يرى نظرة ثالثة أو يرى هذا الجانب فقط في قبال ذلك الجانب أو بالعكس، أو يرى الحل الوسط بين الجانبين فعلى هذا فاللازم على الإداري دائم الاتصال بالجوانب المتعددة في الاجتماع، فمن جهة بالرأي العام و من جهة بالإعلام، و من جهة بالسياسة، و من جهة بالقضاء، و من جهة بالتنفيذ، و من

جهة بالنظرات المختلفة بين رؤسائه و بين مرءوسيه، و من جهة بالنظرات المخلفة بين زملائه في الإدارة مهما كانت في صفه أو أرفع منه أو أخفض. هذا من ناحية و من الناحية الثانية بين الناس الذين هم يتقاضون و يعاملون مع هذه المؤسسة سواء كانت المؤسسة سياسية أو اجتماعية أو صحية أو غير ذلك.

[أمام المدير قسمان من الوظائف:]

(مسألة) أمام المدير قسمان من الوظائف:

الأول: الوظائف الإدارية.

الفقه، الإدارة، ص: 70

الثاني: وظائف المؤسسة، و هي عبارة عن تحقيق الهدف الأساسي من المؤسسة الذي هو إشباع حاجات الإنسان و رغباته عن طريق إنتاج أو توزيع السلع أو الخدمات و من ثمّ فهناك نشاط آخر غير النشاط الإداري ينبغي على كل منشئة أعمال أن تقوم بها أيضاً حتى تتمكن من تحقيقاً كاملًا و هذا النشاط الذي يجب على المنشئة القيام به يتكون في مثل المعامل و ما أشبه من وظائف مثل الإنتاج و البيع و الشراء و التمويل و شئون الأفراد و الأعمال المكتبية و العلاقات العامة و ينسحب مثل ذلك في سائر أقسام المؤسسات كالمؤسسات الصحية أو المؤسسات الثقافية أو المؤسسات السياسية أو ما أشبه ذلك، و يطلق على هذه الوظائف استصلاح وظائف المنشئة، أو وظائف المشروع، مميزاً لها عن وظائف المدير، أو وظائف الإدارة، و ليس معنا ذلك انفصال النشاط الإداري عن نشاط المنشئة، بل معنى ذلك أن هناك نوعين من النشاط يجب على المدير مراعاة هذا تارة و هذا تارة، و هما متشابكان تشابكاً شديداً، مثلًا عند القيام بأعباء وظيفة الإنتاج في المثال السابق أو التسويق أو غيرهما من وظائف المنشئة لا بد للمدير المسئول من تخطيط هدفه و سياسته و تنظيم العمل و تنمية الهيئة الإدارية و توجيه

العاملين على التنفيذ و رقابة النتائج و تقسيم أوقاته و أفكاره و أنشطته و أعماله بين هذا الجانب و هذا الجانب، و من الواضح أن وظائف الإدارة لا تقتصر على الرئيس الأعلى للمنشئة، و إنما هي مجموعة أنشطة للإداريين على اختلاف أنواعها، فهناك الرئيس الأعلى و هناك المديريون الإداريون كإدارة الإنتاج و إدارة التسويق و إدارة المال و إدارة الأفراد إلى غير ذلك، و تختلف وظائف المنشآت بعضها عن بعض، فمثلًا وظائف المنشئة الصناعية تختلف عن وظائف المنشئة الزراعية كما أن وظائفهما تختلف عن وظائف منشئة الخدمات كما أن وظائفها تختلف عن وظائف منشئة السياسة أو الثقافة أو ما أشبه ذلك، نعم بعض الوظائف تكون مشتركة تقريباً بين كل أنواع المنشآت، مثل الوظيفة المالية حيث أن أية منشئة لا تستغني عن المال، فإنها تقوم بالمال و تبقى بالمال و تستمر مطردة إلى حيث الأهداف المنشودة بالمال، و لو اتخذ منشئة صناعية كنموذج للدراسة فإننا نجدها تقوم بالمتعدد من الوظائف المختلفة و التي من أهمها:

الأول: وظيفة الإنتاج.

و الثاني: وظيفة التسويق.

و الثالث: وظيفة المال.

الفقه، الإدارة، ص: 71

و الرابع: وظيفة الأفراد.

فالأول، و هو وظيفة الإنتاج من أهم وظائف المنشآت إطلاقاً فإن المنشآت إنما تنشأ للإنتاج، سواء كان إنتاجاً ثقافياً أو إنتاجاً صحياً أو إنتاجاً مالياً أو إنتاجاً صناعياً أو إنتاجاً عسكرياً أو غير ذلك، فمثلًا المنشئة الصناعية: تتعلق بخلق المنافع الشكلية للمواد و الخامات بتحويلها إلى سلع يمكن أن تشبع حاجات و رغبات المستهلكين من ناحية، و توفر المال للمساهمين من ناحية ثانية، و مثل هذه الوظيفة تنطوي على كثير من الوظائف الفرعية، مثل اختيار موقع المصنع و تخطيط الآلات و تحديد درجة الآلية و التصميم الهندسي

للسلعة و التنظيم الداخلي للتسهيلات الإنتاجية و العمليات الإنتاجية داخل المصنع و الحصول على المواد و تخطيط الإنتاج و رقابة افتتاح و الجودة في السلعة و إلى غير ذلك.

و الثاني: و هي وظيفة التسويق تنطوي على كل الأنشطة التي تبذل عند انسياب السلع مراكز إنتاجها إلى مراكز استعمالها إلى استهلاكها، سواء في داخل البلد أو خارج البلد، و من الواضح وجوب ملاحظة رغبات الجماهير في هذه السلعة، هل السلعة لكل الفصول أو لفصل خاص من فصول السنة، أو لمواسم خاصة من المواسم، و من ثمّ فإن هذه الوظيفة الحيوية التي تعتبر المحور الرئيسي في منشآت الأعمال من هذا القبيل تنطوي بدورها على وظائف مهمة في البيع و النقل و التخزين و التجفيف بالنسبة إلى مثل الحبوب و الفواكه التي يجب أن تجفف و التعليب و ما أشبه ذلك، و تتعلق وظيفة البيع بتحويل ملكية السلع و الخدمات من المنتج إلى الوسطاء، ثمّ إلى المستهلكين، أو إلى المستهلكين مباشرة، و يستلزم هذا اختيار منافذ التوزيع المناسبة و تحديد أسعار البيع و القيام بالحملات الإعلامية و الترويجية، و اختيار و تدريب رجال البيع و مراقبتهم، أما وظيفة النقل فتعمل لأجل المنفعة المكانية للسلع حيث السوق في غير مكان الإنتاج إنما تعمل وظيفة التخزين لأجل الحصول على المنفعة الزمنية إلى غير ذلك من الشئون المرتبطة بالتسويق.

أما الثالث: و هو وظيفة المال، فتعتبر من الوظائف الحيوية لكل منشئة، لأن جميع منشآت الأعمال تحتاج إلى الأموال حتى يمكنها القيام بنشاطها، و كلما كان المال أوفر حسب الكفاية التي تلاحظ في الإدارة يكون القيام بالنشاط أحسن و أكمل، و كل الوظائف للمشروع لا يمكن النهوض بها دون توافر الأموال اللازمة، و

تتعلق هذه الوظيفة بالنشاط المال للمنشئة أي الحصول على الاحتياجات المالية من المصادر المختلفة، و هذه المصادر

الفقه، الإدارة، ص: 72

قد تكون حكومية و قد تكون شعبية، و قد تكون دائمة و قد تكون مؤقتة، كما قد تكون ملكية أو اقتراض إلى غير ذلك من المصادر المالية التي يجب أن يلاحظ المديرون النسبة بينها و بين سائر أعمال المنشئة، و من الواضح أنه ر يقتصر النشاط المالي على مجرد الحصول على الأموال، بل يمتد لكي يشمل الرقاب على الاستخدام الفعال لهذه الأموال لا مطلق الاستخدام، و لا أن تصب في مصبات فاسدة من الرشوة و الاهتبال و النهب و ما أشبه مما تحف بالمال غالباً، و من أهم أهداف هذه الوظيفة العمل على احتفاظ المنشئة بنقدية كافية تجعلها قادرة على مقابلة التزاماتها عند حلول مواعيدها، كما يدخل ضمن هذه الوظيفة النشاط المحاسبي في المنشئة و المراقبة الدائمة للتكافؤ و التوازن بين المال المحتاج إليه و المال المتوفر لديه.

و أما الرابع، و هو وظيفة الأفراد فتتعلق هذه الوظيفة بالحصول على القوة العاملة في المنشئة و جعلها قادرة و راضية و متعاونة في تنفيذ الأعمال، و يستلزم هذا القيام بأنشطة مختلفة، مثل حصر الوظائف اللازمة و تحديد مواصفاتها و الضغط عليها حتى لا تكون أكثر من الرزم و التوسعة فيها حتى لا تكون أقل من اللازم، و المحافظ على اتصال وثيق مع سوق العمل للحصول على الأفراد المناسبين، و تهيئتهم للعمل و تدريبهم و التنسيق بينهم و المحافظة على علاقات طبية بين المنشئة و العاملين فيها، و وضع نظم التعيين و الترقية و الفصل و التأديب و ما أشبه، مما جعل الأفراد صالحين و مهيئين و

مندفعين للتقدم بالمنشأة إلى الامام، من غير فرق بين أن تكون المنشئة منشئة ثقافية بالنسبة إلى المعلمين و المربين و الموجهين و من أشبه، أو مؤسسة صحية بالنظر إلى الأطباء و معاونيهم و الممرضات و من أشبه أو غير ذلك من المؤسسات التي يحتاج إليها المجتمع.

[من مهمات الإدارة جمع الحقائق و المعلومات التي تساعد في سير العمل]

(مسألة) من مهمات الإدارة جمع الحقائق و المعلومات التي تساعد في سير العمل و تقدمه إلى الامام بالاطراد، و تعتبر هذه العملية من أهم خطوات البحث التنظيمي فهي أمر موكول إلى المدير بنفسه أو إلى محلل يساعده و يساعد المديري هذه المهمة، و الأفضل في المؤسسات الكبار أن يكون هناك المحلل قائماً بمثل هذا العمل و عليها تعتمد النتائج و التوصيات التي سيقدمها للمدير في تقريره عند انتهائه من عملية إجراء الدراسة حتى يكون المدير و مدراء الأقسام و المديرون في القاعدة على علم بكيفية سير العمل و خصوصياته و مزاياه و نواقصه، و لهذا فإن على المحلل أن يقوم

الفقه، الإدارة، ص: 73

بجمع الحقائق بطريقة منظمة و بموجب خطة موضوعة لهذا الغرض، و الأحسن في ذلك إنما يكون بالأمور التالية:

الأول: الحاجة إلى جمع الحقائق.

الثاني: الحقاق الواجب جمعها.

الثالث: وسائل جمع الحقائق.

أما بالنسبة إلى الأول، و هو عبارة عن الحاجة إلى جمع الحقائق، فإن الغرض من جمعها هو التعرف على خصوصيات العمل من المشاكل و غير المشاكل التي تعاني منها المؤسسة، ليكون بإمكان المحلل بعد تحديد المشكلة وصف الحلول المناسبة لها، و لذا فالمحلل يقوم بجمع المعلومات المتعلقة بموضوع البحث و اللازم أن يعتمد أسلوب انتقاء المعلومات على نحو المناسبة، لغرض الدراسة لا المعلومات الهامشية التي لا ترتبط بالهدف، فيقوم بجمع معلومات كافية و مفصلة عن ناحية معينة، كما

يقوم بجمع معلومات في الجملة عن ناحية أخرى و هي الناحية المربوطة بالناحية الأولى التي هي مهمته، إذ ليس على المحلل في المؤسسات الكبار أن يقوم بجمع جميع المعلومات في جميع الأقسام، كما أن على المحلل أن يتجنب الأسلوب العشوائي في جمع المعلومات لأن من شأن هذا الأسلوب أن يكدس عند المحلل كميات كثيرة من المعلومات غير المحتاج إليها، فيستهلك لجمع وقتاً كبيراً منه دون فائدة، و من المحتمل أن تضييع المعلومات السياسية اللازمة للدراسة بين هذه المعلومات غير الضرورية، و قد يكون من المفيد وضع قائمة بالمعلومات و التفاصيل اللازمة للبحث و الحاصل أن على المحلل أ، يقوم بجمع المعلومات و الأدلة و البراهين و المشاكل و الحلول حتى يظهر مدى فعالية التنظيم و الإجراءات الموجودة في القسم، و حتى يظهر المشكلات و مواضع العثرة للتعرف على مواطن الضعف و القوة فيه، و ليتمكن المحلل على ضوئها من وضع الاقتراحات و تقديم التوصيات العملية الكفيلة بتحسين العمل في ذلك القسم بوحده أو مع المدير، أو مع بقية المسئولين أو حتى مع الأعضاء، و المعلومات التي يجمعها المحلل تساعد المسئولين في إقناعهم بأهمية و فائدة مقترحاته أو مقترحات غيره ممن أشرف على تلك المعلومات، فيسير الأمر حسب ما يرام، و يضع الرؤساء و المديرون الاقتراحات موضع التنفيذ.

أما الأمر الثاني، و هي الحقاق و المعلومات الواجب جمعها، فإنها تختلف من حيث الكم و الكيف، و الأهمية و التفاصيل، باختلاف هدف البحث، و كلما كان الهدف واضحاً و محدداً كانت مهمة المحلل في تحديد المعلومات

الفقه، الإدارة، ص: 74

الواجب جمعها سهلة، و يسيرة و بوجه عام، فإن المعلومات التي يراد جمعها عادة تشمل أموراً متعددة:

الأول: أهداف

الوحدة، إذ يقوم المحلل عادة بجمع معلومات أولية و بصورة إجمالية عن أهداف الوحدة التي عنى بجمع المعلومات حولها، فإن المنشآت الكبار تستعمل على وحدات، مثلًا وحدة التخزين و وحدة التسويق و وحدة الإدارة و ما أشبه من الوحدات التي أشرنا إلى جملة منها سابقاً، فيقوم المحلل بجمع هذه المعلومات المرتبطة بأهداف الوحدة بالدراسة الأولية و لا سيما في مرحلة التخطيط و في هذا المجال يجمع المحلل المعلومات التفصيلية عن أهداف كل قسم من أقسام الوحدة، و عند الانتهاء من جمع الحقائق يقوم المحلل بالتأكيد من أن الأقسام المختلفة تتعاون مع بعضها البعض في تحقيق الهد الأساسي المحدد للوحدة.

الثاني: الهيكل التنظيمي للوحدة، فإن المحلل يقوم بجمع المعلومات الكافية عن جهاز تنظيم الوحدة و من شأن هذا العمل أن يسهل عليه فهم العلاقات الموجودة داخل الوحدة كما يقوم المحلل بمتابعة التطورات التي حدثت على جهاز الوحدة الزمنية منذ بداية تكوينها و عليه أن يحصل على خريطة تنظيمية جديدة لنفس الوحدة تمثل الوحدة كما هي وقت الدراسة في الحال الحضر و تبين أقسامها و علاقة الأقسام بعضها ببعض، ثمّ تقارن بين الخريطتين السابقة و اللاحقة و تساعد نتيجة المقارنة المحلل على اكتشاف الفروقات و التغييرات بين التنظيم السابق الرسمي و بين التنظيم الحالي و يجب على المحلل أن يلاحظ مدى تطبيق الوحدة في تنظيمها الحالي للقواعد الأساسية المتعارف عليها للتنظيم الإداري، كما أنه يظهر بذلك مدى الخلل الذي طرأ على الوحدة من الخريطة السابقة مقارنة بالقواعد الأساسية التي وضع عليها المنشئة، فهي أعمال متعددة الخريطة السابقة و الخريطة اللاحقة و مدى التطابق بين الخريطتين و مدى التطابق بين أي منهما و بين القواعد الأساسية للمنشئة، ثمّ إذا

كانت هناك خريطة قديمة، فيها و نعمت، حيث ذكرنا لزوم التطبيق بين الخريطة الجديدة و الخريطة القديمة و عند ما لا تكون هناك خريطة قديمة، فإن على المحلل أن يقوم يجمع المعلومات السابقة لتلك الوظائف من الموظفين الذين يشغلونها، و هنا تظهر المصاعب للمحلل كصعوبة تحلل الواجبات و مسئوليات الوظائف العليا، فإن الشاغل للوظيفة يكرس معظم وقته لوضع السياسة العامة و اتخاذ القرارات و حضور الاجتماعات و المؤتمرات و الإشراف على أعمال الموظفين الآخرين و هذه الأعمال لا تتكرر كثيراً، فإنها إذا لم تكن

الفقه، الإدارة، ص: 75

هناك خريطة تعين تلك الأمور و مذكراتها، فإن المحلل يقع في صعوبة، لن عدم الاستقصاء قد يوجب عدم فهم النتائج، و لذا يصعب تدوينها و تقديرها و تحليل الوقت اللازم للقيام بها، بالإضافة إلى أنه مثيراً ما يجد المحلل صعوبة في إجراء المقابلة مع الموظف لأنه لا يضمن وجوده في مكتبه أو لأنه قد يكون مشغولًا في معظم أوقاته، أو أنه قد يترفع عن الإجابة عن كل سؤال إلى غير ذلك، و على كل حال فاللازم أن يحصل المحلل على سلسلة من المعلومات التي تساعده على التعديل و على التطبيق و المقارنة.

الثالث: أساليب إجراءات العمل فإنها سلسلة من الخطوات و العمليات التي تتصل بعضها ببعض، و تؤدي إلى إنجاز عمل إداري ما مهما كان ذلك العمل، فإن الواجب على المحلل أ، يقوم بتسجيل عمليات و خطوات هذه الإجراءات و تحيد طبيعة الدراسة للمحلل مدى التفصيل المطلوب لهذه الإجراءات، و إذا وضع المحلل خارطة تبين كل خطوة من الخطوات التي تمر فيها المعاملات، أو مرت فيها المعاملات السابقة فإن وجود مثل هذه الخارطة يكشف نقاط الضعف الموجودة في

الإجراءات المتبعة، أو النقاط التي يستحسن تبديلها بنقطة أقوى منها، أو نقطة مشابهة لكنها أبسط من حيث النوع أو من حيث الكم، و بهذا فإن المحلل يساعد على معالجة نقاط الضعف أو نقاط التوسط مما يتمكن من إدخال التحسينات و التبديل و ما أشبه.

الرابع: كمية العمل و الوقت الذي يستغرقه و مدى تكراره فإن المحلل يجمع المعلومات عن هذه الأمور خلال فترة معينة و تتضمن المعلومات التي يجمعها كمية العمل الوارد، و كمية العمل المنجز، و كمية العمل المتأخر المتراكم، ثمّ يصار بعد ذلك إلى دراسة مدى التكرار في الأعمال، إذ هناك أعمال تتكرر يومياً أو مرة في الشهر، مثل دفع رواتب الموظفين، أو مرة في السنة كعمليات تحضير الميزانية، و يقوم المحلل بدراسة الوقت اللازم بإنهاء المعاملات، و ذلك بأخذ عينات من المعاملات التي يتم إنجازها في الوحدة، أو في القسم من الوحدة، أو في الهيكل العام، فيما إذا كان الأمر مربوطاً بالهيكل العام للمنشئة، ثمّ يقوم بتحديد الوقت اللازم للإعداد و الانتقال و الانتظار إلى أن تصبح المعاملة في المرحلة الأخيرة، و التي هي مرحلة الإنجاز.

و الحاصل أن يضع مصوبة بالوقت الذي تحتاج المعاملة إليه من البداية إلى النهاية، و يحتفظ المحلل بدراسة الوقت في سجلات خاصة للرجوع إليها فيما بعد، أما بخصوص دراسة التكاليف للقيام بالعمل فتؤخذ عينات

الفقه، الإدارة، ص: 76

لعدد من العمليات و تحصل على التكاليف اللازمة للقيام بها و ذلك بحساب رواتب الموظفين الذين يقومون بالعمل، و رواتب الرؤساء المشرفين، و تكاليف اللوازم و تدخل فيها الإيجارات و غيرها من التكاليف، فيقارن بين هذه التكاليف و بين النتائج، فإن بذلك يظهر الزيادة أو النقيصة أو التوسع في كل

من الأطراف مثلًا المحلل يحاسب أنه لو وضع هذا المال الذي وضع في المؤسسة الاقتصادية في التجارة، أو في المصرف، أو في المضاربة، كم كانت أرباحه، ثمّ يقارن ذلك بالأرباح التي تحصل من المؤسسة، فإذا ظهرت الأرباح متساوية و كان من اللازم أكثرية الأرباح وصى بلزوم الإتيان بأعمال تنتهي إلى تلك النتيجة، و أولى بذلك إذا ظهرت الأرباح أقل، أما إذا ظهرت أكثر أكثرية مناسبة دل التحليل على حسن سير العمل، و هكذا في سير المجالات غير الاقتصادية كمجالات الصناعة و الثقافة و الصحة بالنسبة إلى الإنتاج المطلوب، فقد يكون الإنتاج بقدر المطلوب و قد يكون فوق المطلوب و قد يكون دون المطلوب.

الخامس: ربط الوحدة بالوحدات الأخرى، فإنه يلزم بالإضافة إلى عمل المحلل في الوحدة المعنية العمل في وحدات أخرى، لكن بقدر، إذ لا يتمكن محلل واحد في المؤسسات الكبار من تحليل كل الوحدات، و إنما يأخذ قسماً واحداً من الوحدات و ينتهي إلى تحليل بعض الوحدات، و إنما يأخذ قسماً واحداً من الوحدات الأخرى المرتبطة بهذه الوحدة بقدر ما، إذ تحتاج إجراءات بعض العمليات أحياناً تجاوز حدود الوحدة المعنية، أو القسم الذي هو قيد الدراسة إلى أقسام و وحدات أخرى، فإن للوحدات الأخرى أثرها على سير العمل في الوحدة التي هي قيد الدراسة، و لذا يلزم على المحلل إذا أراد تكميل العمل أن يقوم بدراسة هذه الوحدات هامشياً، فيجمع المعلومات الضرورية للدراسة لكن لا يتوسع في جمع المعلومات عن الوحدات الأخرى، إذ ليس ذلك من شأنه، و إنما من شأنه العمل على جمع المعلومات عن الوحدات الأخرى بقدر ما يرتبط بهذه الوحدة التي هي قيد الدراسة.

السادس: ظروف العمل، فإن على المحلل أن يجمع معلومات

عن ظروف العمل كتوفير للمعدات و الأثاث و التدفئة و التبريد و النور و الماء و غير ذلك، مما يحتاج إليه الموظف في أثناء عمله، مما ينعكس أثره على أعمال الوحدة التي هي قيد الدراسة، إذ الجو إذاً لم يكن مهيئاً فإن العامل أولًا لا يعمل بالقدر الكافي، ثمّ علمه بما يعمل يكون مع الضجر و الاشمئزاز مما يشيع حوله الكراهية حول المؤسسة، و ذلك يؤثر تأثيراً على المؤسسة.

الفقه، الإدارة، ص: 77

السابع: ملاحظة معنويات الموظفين، فإنه يجب على المحلل أن يجمع معلومات عن علاقة المدير بالموظفين و علاقته بالموظفين المدير و علاقة بعضهم ببعض، فيلاحظ إن كانت هناك حالات تشير إلى تذمر الموظفين أو سوء في حالة التدريب، أو الإشراف أو الإدارة، و عن الروح المعنوية عند الموظفين، لأن الأحوال النفسية للموظفين و حبهم للعمل أو كرههم له يؤثر تأثيراً كبيراً عليهم في أعمالهم كماً و كيفاً، و من الواضح أن مما يؤثر على معنويات الموظفين هو ظروف العمل أيضاً فاللازم على المحلل ملاحظة ذلك ملاحظة كافية.

الثامن: احتياجات المنتفعين و أفراد الجمهور من المؤسسة، فإن الواجب أن يأخذ المحلل بعين الاعتبار و جهات نظر جمهور المنتفعين، و أن يجمع المعلومات عن رأيهم في الوحدة، و كفايتها في القيام بالعمل، و عن رأيهم في النتائج التي تقوم الوحدة بها، و أنه هل هناك صعوبة في التعبئة أم لا، و هل هناك كثرة عدد أو جودة كيفية أو بالعكس، فعلى المحلل أن يراعي جمهور المنتفعين عند وضعه للتوصيات، مثلًا يوصي بنقل عب ء من العمل من الموظف إلى جمهور المنتفعين أو بالعكس، و ذلك بقصد الاقتصاد في الوقت و الجهد و النفقات بالنسبة إلى الموظف، أو في

الطرف الثاني، فإن كل واحد منهما قد يؤدي إلى وجود النقص في المعاملات و عرقلة سير العمل، مثلًا في المؤسسة الثقافية قد يرى المحلل أن لا يقوم الطلاب بأنفسهم إلى السير إلى المعهد بدون تهيئة وسائل المواصلات لهم، فإن ذلك و إن كان يخفف على المعهد النفقات و الخدمات لكن ذلك يؤثر على إقبال الناس على المؤسسة مما يوجب تأخر المؤسسة، وكلك إذا عكس، بأن كان من القاعدة المتعارفة سير الطلاب بأنفسهم فأوصى بجعل وسائل نقلية على المعهد، حيث يثقل ذلك كاهل المعهد بالنفقات و بالخدمات إلى غير لكل من الأمثلة في كل مؤسسة.

أما الأمر الثالث، و هو وسائل جمع الحقائق و المعلومات، فهي يمكن بعدة أمور من أهمها؛ دراسة السجلات الموجودة، و الملاحظة الشخصية لعمال الوحدة، و المقابلة الشخصية مع الأفراد، و الاستبانة بقائمة من الأمثلة.

أما الأول، فهو دراسة السجلات الموجودة، إذ المحلل يستطيع أن يحصل على تعض المعلومات التي يحتاجها لأغراض دراسته عن الطريق دراسة السجلات و المستندات و الوثائق الموجودة في الوحدة، و تعتبر هذه الوسيلة من أسهل الوسائل لجمع المعلومات و أسرعها، لكن المعلومات التي يريدها المحلل حول المؤسسة تكون غالباً مبعثرة و موزعة، كما أن كثيراً منها لا

الفقه، الإدارة، ص: 78

تمثل الواقع أحياناً، حيث أن المسجلين زادوا و نقصوا لأهداف سياسية أو اقتصادية أو قانونية أو ما أشبه ذلك، لكنها بشكل عام تساعد المحلل بإلقاء تعض الأضواء على النواحي التي يقوم بدراستها.

و أما الثاني، و هو الملاحظة الشخصية لأعمال الوحدة، فهذا من أحسن الوسائل لجمع المعلومات المرتبطة بالمؤسسة، إذ يقوم المحلل بنفسه بمشاهدة ما يجري داخل الوحدة، و يسجل ملاحظاته الشخصية عن النواحي الإيجابية و السلبية التي يلاحظها

أثناء قيام الوحدة بأعمالها، لكن هذا النوع من الملاحظة:

أولًا: تكلف زمناً كثيراً و ثم أن المحلل لا يكون دائماً متواجداً و الأوقات بعضها يختلف عن بعض بالنسبة إلى كل الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة، و لذا فالزم الاقتصاد في اللجوء إلى هذه الوسيلة إلى حراسة النواحي الهامة هم الوحدة، و ذلك بمراجعة عمل كل وظيفة و مراجعة الموظف، و هما شيئان للفرق بين الوظيفة و الموظف، كما ألمعنا إلى ذلك سابقاً، ثمّ متابعة معاملة ما من البداية حتى النهاية، مثلًا يلاحظ حصول الترخيص من الجولة منذ ساعة تقديمه إلى الجهات المختصة إلى حين وضعه في صورته النهائية، و هكذا ثمّ التثبت من مدى الإنجاز و المرات التي يشار فيها إلى السجلات و القيود و نحو ذلك، ثمّ فحص بعض المعاملات المنجزة و المعاملات التي هي في طريق الإنجاز، و المعاملات التي ألغيت و لم تتمكن من الصمود أمام المشكلات و المناقضات المحتفة بها، ثمّ قياس مقدار العمل الذي أنجزه موظف ما أو جماعة من الموظفين أو المدير أو المدراء في الوسط و المدراء الآخرين في خلال مدة معينة، و من اللازم أن يكسب المحلل ثقة و تعاون مدير و موظف الوحدة التي يقوم بدراستها، إذ بدون ذلك لا يتمكن من فهم ما وراء الستار، و إنما يرى بعض الظواهر، و من الواضح أن بعض الظواهر لا تكفي للإحاطة بالشي ء من جميع جوانبه حتى يجعل الحلول و التوصيات و الاقتراحات حسب ما ينبغي.

و أما الثالث، و هي المقابلة الشخصية، فإنها من أفضل الوسائل للحصول على المعلومات لكن يتوقف نجاح المقابلة في الحصول على المعلومات في الدرجة الأولى على مهارة المحلل الذي يقوم بإجراء الدراسة حتى يتمكن

من كسب ثقة الأشخاص الذين يريد مقابلتهم، فيفتحوا له قلوبهم، و اللازم على المحلل في المقابلات الشخصية أن يطلب من الشخص الذي تجري معه المقابلة الجواب على الأسئلة التي يعرفها جيداً، إذ إذا لم يعرف الطرف الأجوبة على الأسئلة فأجاب بأجوبة غامضة أو مهلهلة و غير

الفقه، الإدارة، ص: 79

صحيحة أو حسب عقليته التي ليست كفؤاً بالسؤال يكون في ذلك إضلال للمحلل، كما أنه في بعض الأحيان يجيب الشخص الذي يجري المحلل معه المقابلة إجابة مغرضة لأجل إرضاء المحلل، و لا يبين النواحي السلبية في العمل خوفاً من التأثيرات التي قد تجلبها عليه هذه المقابلة في المستقبل، فاللازم على المحلل أن يكون لبقاً و ذكياً و فاهماً بمثل هذه الأمور، ثمّ أن المقابلات الشخصية تستغرق وقتاً طويلًا، كما أنه يحتاج إلى عدد كبير من المحللين للقيام بإجراء مقابلات مع موظفي المؤسسة إذا كانت المؤسسة كبيرة، و إذا أراد المحلل أن تكون المقابلة ناجحة مائة في مائة فاللازم أولًا و بالذات أن يحضر المقابلة بتحديد موعد للمقابلة سلفاً، و يبلغ الشخص المطلوب مقابلة سرية إذا كان الطرف لا يستعد بالبوح بالإجابات إذ كانت علنية و لا تجري في مكتب مفتوح و على مسمع من الموظفين الآخرين الذين يعملون في نفس المكتب.

نعم لا أشكال في أن الأحسن أن تكون المقابلة سرية إذا كان خالياً عن مثل هذا المحذور لأن الديمقراطية (الاستشارية) حتى في مثل هذا الشي ء يسبب ظهور الواقع أكثر فأكثر، و من الممكن للمحلل أن يجعل بعض المقاولة سرية و بعضها علنية و يتكلم كل موظف بالجزءين السري و العلني، و هكذا على المحلل أن يهيئ الجو المناسب للمقابلة حتى يكون الموظف في جو نفسي

صحيح و في جو جسدي كذلك، فإن في أوقات الجوع أو أواخر الدوام أو عند الغضب أو ما أشبه ذلك لا تكون المقابلة ناجحة ثمّ في الوقت المناسب يبدأ المحلل في الكلام عن الغرض من المقابلة، بأن يشرح أسباب حضوره، و يكون الحديث في جو من الود و البساطة و المجاملة، فإن لا تتسم المقابلة بالجفاف و الروتينية و الرسمية و قد تقدم أنه يلزم على المحلل أن يبذل الجهد لكسب ثقة الموظف، و أن يشجعه على الكلام بحرية، و أن الشي ء الذي يريد أن يكون سراً لا يبوح المحلل به أمام الآخرين، أو لا يذكر اسم الموظف و إنما يظهر أنه استقى معلوماته من مجموعة أمور لا من هذا الموظف بالذات، و من الواضح أن من قواعد مقابلة المحلل بل هي قاعدة كلية في كل طرف يريد الاكتساب من الطرف الآخر الإصغاء الكامل و الانتباه لما يقوله الموظف، فيبدي له اهتماماً بالغاً، و عليه أن بتجنب مقاطعة الموظف أثناء كلامه، و أن يطلق له الحرية الكاملة في الكلام عن عمله، و حيث أن في كثير من الأحيان تقع المكالمات الهاتفية أو ما أشبه الأسئلة و الأجوبة مما يقع الكلام مبعثراً فمن اللازم عدم المقاطعة أثناء المقابلة بتحويل المكالمات

الفقه، الإدارة، ص: 80

الهاتفية إلى موظف آخر للإجابة عليها، و عدم المساح للموظفين الآخرين أو للأفراد بالمقاطعة في مثل هذا الوقت، و ينبغي أن يكون القصد من طرح الأسئلة هو توجيه المقابلة نحو وجهتها الرئيسية لا الهوامش و الفضوليات، و أن يعيد المحلل الحديث إلى مجراه الأصلي إذا تشتت المقابلة أو انحرفت عن الغاية الأساسية، كما أن على المحلل أن يتجنب أسلوب التحقيق مع الموظف

عند طرح الأسئلة، لأن مثل هذا الأسلوب يثير الخوف و التشكيك في الموظف بدلًا من التعاون، و من اللازم أن يعطي المحلل للموظف الوقت الكافي للإجابة التي يريدها، لا أن يجيب بمجرد لا أو نعم، كما أن على المحلل أن يظهر احترامه للموظف، و أن يتجنب انتقاده أو انتقاد الموظفين الآخرين الذين يعملون معه مطلقاً و إذا سال الموظف عن المحلل أن يبدي رأيه في العمل أو في الإدارة أو في الموظف نفسه أو في سائر الموظفين فعلى المحلل أن يتجنب الإجابة على ذلك صريحة إذا كانت الإجارة محرجة، بل يتجنب ذلك و يجيب بصورة لبقة، كأن يقول مثلًا ليست عنده المعلومات الكافية فصدر حكم بخصوص ذلك، أو أنه ليس من اختصاصه مثل ذلك، أو يقول: الآن أنا في صدد التحقيق و عند إتمام التحقيق سوف أقول ما أرى، إلى غير ذلك ثمّ أنه كثيراً ما يقابل المحلل الموظف الصعب الذي لا يستعد لإجراء المقابلة معه، فإذا تمكن المحلل من استدراجه إلى الجواب بتهيئة الجو المناسب فيها و نعمت و إلا فعليه أن يترك ذلك إلى بعض أصدقاء الموظف حتى يشرح ذلك الصديق الذي بينهما أغراض المحلل للموظف و يستخلص منه الجواب الذي يريده المحلل، فإن الموظف قد خجولًا و قد يريد الفخفخة مدعياً أنه مشغول دائماً و ليس عنده أن وقت لإجراء المقابلة، و قد يكون متذمراً و لا يستعد للإجابة إلى غيرهم من الموظفين الذين يصعب استجابتهم، فعلى المحلل أن يلتمس الطريق الموصل إلى ذلك، و إذا لم يتمكن من الاستدراج ترك مثل ذلك الموظف و شأنه، فإن تركه و شأنه خير من الإجابات المغلوطة و المنحرفة و الغامضة التي يحصلها من مثل

هذا الموظف، ثمّ إذا أكمل المحلل الأسئلة و الأجوبة فمن المستحسن أن يقرأ المحلل أمام الموظف المعلومات التي أخذها منه، و على المحلل أن يسأل الموظف إن كانت هناك معلومات أخرى قد نسي ذكرها أو تعليقات أو اقتراحات يود أن يضيفها أو أن الأجوبة التي كتبها لم يفهمها المحلل فهماً صحيحاً و إنما فهمها فهماً منحرفاً و الموظف يريد تصحيحها و تعديلها، و قد يذكر الموظف بعض المعلومات التي كان قد نسيها أثناء المقابلة فيذكرها حينئذ عند الاستعادة، كما على

الفقه، الإدارة، ص: 81

المحلل أن يشجع الموظف على تقديم بعض الاقتراحات الهامة التي يراها مناسبة مما يسبب انشراح الموظف بأنه وقع في موقع يستنصح و يسترشد بآرائه. ثمّ يأتي دور الأمر الرابع، و هو الاستبانة بقائمة من الأسئلة التي تكون من أقصر و أسلم الطرق و أسهل، بالنسبة إلى الأسئلة و الأجوبة، فإن المقابلة الشخصية و إن كانت ذات فضيلة لجمع المعلومات لكنها تستغرق وقتاً طويلًا و تحتاج إلى عدد كبير من المحللين لإجراء المقابلات في المؤسسات الكبيرة، كما أنها تكلف الكثير من الجهد و الوقت و المال خصوصاً إذا كان الأشخاص الذين سيقابلهم المحلل متفرقين في أماكن جغرافية نائية، و لذا فإن الاستبانة بجعل قائمة من الأسئلة موجهة إلى الموظفين المختلفين تكون بديلًا أقل كلفة من المقابلة الشخصية لجمع المعلومات، فإنه بالاستبانة يتمكن المحلل من جمع المعلومات المطلوبة الموجودة في أماكن تائية في وقت أقصر و بكلفة أقل.

ثمّ اللازم في الأسئلة أن تكون واضحة و سهلة الفهم لا تحتاج إلى تفكير عميق و لا إلى إجابات مطولة و لا تكون في عبارات بلاغية مما هو خارج عن طوق العرف، و لا بعبارات معقدة،

و أن يكون عدد الأسئلة معتدلة لا كثيرة، لا قليلة، و أن تكون جميع الأسئلة متعلقة بموضوع الدراسة، في الهوامش و ما لا يرتبط بالموضوع، و أن يكون الترتيب بين الأسئلة ترتيباً منطقياً حتى لا يتشتت تفكير الموظف الذي يجيب على الأسئلة فإنه قد يكون التصاعد منطقياً في الأسئلة و قد يكون مبعثراً على حساب اللف و النشر المشوش على ما يقوله البلاغيين و أن يكون أبعاد الأسئلة توحي بإجابات معينة لا أن تكون أسئلة محتملة لإجابات مختلفة، و ن تحاشى الأسئلة التي تدفع الموظف إلى الكذب و الادعاء أو ما أشبه ذلك كما أنه يجب أن تجنب الأسئلة التي تثير غضب أو اشمئزاز الموظف أو تمس ناحية شخصية منه أو ممن يعتقد به، أو تسبب إحراجاً له إذا كان لا بد من بعض هذه الأسئلة فاللازم أن ترقق ترقيقاً كبيراً، و كلما تؤخر من قائمة الأسئلة كان أفضل كما يلزم أن يتجنب التعابير العلمية و الفنية الصعبة التي قد لا يفهمها الموظف، فإن الاصطلاحات العلمية لا يفهمها كل أحد و اللازم أن يبين في قائمة الأسئلة أما في الأول أو في الأخير التعليمات التي تبين كيفية الإجابة و توضح بعض الأسئلة العلمية التي لا بد منها

( (أسس اتخاذ القرار الإداري))

(مسألة) إذا حصل المحلل على الحقائق و المعلومات التي يريدها سواء في كتابة أو بالمقابلات الشخصية أو بمراجعة الخرائط أو غير ذلك فإذا

الفقه، الإدارة، ص: 82

تأكد أن المعلومات اللازمة للدراسة قد أصبحت متوفرة لديه يقوم بترتيب هذه المعلومات و بعرضها بصورة منظمة و على شكل خرائط مختصرة تسجل المعلومات كلا في موضعه بعد ذلك يقوم المحلل بالخطوة التالية و هي: دراسة هذه المعلومات دراسة تحديدية

و بشكل ناقد و يتم ذلك بمحاولة الإجابة على الأسئلة التالية: ما هي الإجراءات و العمليات التي يستغرق إنجازها معظم الوقت في الوحدة من حيث الزمان

و ما هي المواضع التي وضعت فروع المنظمة أو المنشئة أو ما أشبه فيها فهل هي أماكن لائقة أو غير لائقة؟

و هل حقا أن هذه الإجراءات تحتاج إلى ذلك الوقت الطويل أو الوقت أطول أو الوقت أقصر لأي كل واحد من الوقت الأطول

أسس اتخاذ القرار الإداري:

إذا حصل المحلل على الحقائق و المعلومات التي يريدها سواء في كتابة أو بالمقابلات الشخصية أو بمراجعة الخرائط أو غير ذلك فإذا تأكد أن المعلومات اللازمة للدراسة قد أصبحت متوفرة لديه يقوم بترتيب هذه المعلومات و بعرضها بصورة منتظمة و على شكل خرائط مختصرة تسجل المعلومات كلًا في موضعه، بعد ذلك يقوم المحلل بالخطوة التالية و هي: دراسة هذه المعلومات دراسة تحديدية و بشكل ناقد، و يتم ذلك بمحاولة الإجابة على الأسئلة التالية: ما هي الإجراءات و العمليات التي يستغرق إنجازها معظم الوقت في الوحدة من حيث الزمان.

و ما هي المواضع التي وضعت فروع المنظمة أو المنشئة أو ما أشبه فيها، فهل هي أماكن لائقة أو غير لائقة؟

و هل حقاً أن هذه الإجراءات تحتاج إلى ذلك الوقت الطويل أو الوقت أطول أو الوقت أقصر لأن كل واحد من الوقت الأطول و الوقت الأقصر و كذلك بالنسبة إلى المكان المناسب و المكان غير المناسب يؤثر في سير العمل سيراً حسناً أو سيراً سيئاً؟

ثمّ يسأل هل أن هذه الإجراءات مهمة بالنسبة إلى العمل أو أنها إجراءات هامشية لا تهم العمل؟

و يسأل كيف يمكن تحقيق الأهداف لو أن الوقت المخصص للقيام بالعمل قد خفض أو وسع؟

الفقه، الإدارة، ص:

83

و هل أن هناك عدداً كبيراً من الموظفين مخصصون للقيام بهذه العملية حتى تكون الوظيفة حسب ما يرام، أو أن الموظفين أقل من العدد المطلوب أو أكثر؟

و هل أنهم أخصائيون أو غير أخصائيين مع لزوم أن يكونوا أخصائيين؟

و هل أن كل عمل يناسب من يقوم به؟

و هل بالإمكان تغيير الأدوار و الأعمال التي يقوم بها بعض الموظفين بأن يعطي مثلًا العمل الفلاني لزيد و العمل الفلاني لعمرو؟

و هل أن القيام بالعمل يحتاج إلى تنقل الموظفين؟

من الواضح أن تغيير الأدوار غير تنقل الموظفين فتغيير الأدوار عبارة عن أن يعطي دور المدير للموظف و دور الموظف للمدير، أما بالنسبة إلى تنقل الموظفين فهو أن يجعل زيد مكان عمرو و عمرو مكان زيد، و كلاهما موظف تحت المدير.

و هكذا يتساءل، هل بالإمكان تقسيط الإجراءات و تخفيض حجم العمل بواسطة تغيير شكل الوحدة أو تغيير أعمال الوحدات الأخرى التي فيها علاقة بعمل الوحدة؟

و هل أن من المناسب جعل الإدارة العامة هكذا في الأماكن المخصوصة، مثلًا المدير العام تكون غرفته آخر المؤسسة أو أول المؤسسة أو وسط المؤسسة؟

و هل أن المخزن ينبغي أن يكون إلى جانب اليمين أو جانب اليسار من جهة الشمس و غير الشمس؟

و هل أن الأساليب المتبعة و الإجراءات التي تؤخذ هي الأساليب الوحيدة الممكنة للقيام بالعمل أو لها بدائل أفضل منها أو أسوأ، أو أن البدائل قد تكون حسنة و قد لا تكون حسنة مثلًا في فصل الصيف البدائل يجب أن تكون هكذا، أما في فصل الشتاء فيجب أن تكون كما هي الحال؟

و هل أن النماذج مصممة بشكل مناسب أو بشكل غير مناسب؟

و هل بالإمكان استعمال أساليب أو إجراءات أبسط و أسرع و أقل تكلفة،

أو أ، هذه الإجراءات هي الأحسن من جهة الكم و الكيف؟

و هل أن بالإمكان استعمال معدات أو آلات أحسن و أفضل من الموجودة حالياً؟ و إذا كانت الآلات و الأدوات الموجودة حالياً هي الأحسن فهل الصيانة لها بقدر كافٍ أو ليس بالقدر الكافي؟ فإنه إذا وضعت هذه الأسئلة في سلم متناسب كشفت العيوب و الثغرات الموجودة في التنظيم و الأساليب الخاصة بالوحدة.

الفقه، الإدارة، ص: 84

و كذلك يظهر من أمثال هذه الدراسات أن العمل و الخصوصيات المكتنفة بالعمل هل هي أفضل ما يمكن أو لا بل أن هناك صورة أفضل و بدائل أحسن، فإن مثل تلك الأسئلة من شأنها أن تلقي بعض الضوء على الإجراءات المتبعة في القيام بالعمل و على الموظفين القائمين به و على الزمان و المكان و الشرائط المكتنفة بالعمل و العاملين.

و بعد هذا الفصل يأتي فصل الاقتراحات و التوصيات إلى الرؤساء و الموظفين و الأشخاص المكتنفين بالعمل، و تعتبر سلامة الاقتراحات و التوصيات و تقديمها إلى المسئولين خطوة كبيرة من خطوات البحث التنظيمي، إذ بعد جمع كافة الحقائق و المعلومات و دراستها و تحليلها و جعلها في السلم المناسب لها يصل المحلل إلى مرحلة استخلاص النتائج منها و تكون الاستنتاجات عبارة عن مجموعة من التحسينات و التعديلات و التغييرات و التبديلات و الزيادات و التنقيصات على التنظيم و الأساليب المتبعة في القيام بالعمل، و عند جعل الاقتراحات و التوصيات على المحلل أن يأخذ بعين الاعتبار أموراً مهمة:

الأول: أن تكون المقترحات عملية و يمكن تنفيذها لا اقتراحات مثالية لا يمكن تنفيذها.

الثاني: أن يلاحظ و يتنبأ بالآثار القانونية و الإدارية و الاجتماع النفسية التي ستؤثر في المستقبل على عملية تنفيذ توصياته و مقترحاته،

فربما تكون الشروط للتوصيات و المقترحات أكثر من طوق القانون أو طوق الإدارة أو طوق المدير أو طوق الموظفين أو ما أشبه ذلك.

الثالث: على المحلل أن يقدر التكاليف المتوقعة نتيجة أية تعديلات يقترحها.

الرابع: أن لا يضع المحلل مقترحات معقدة تتضمن التوصيات غير القابلة للتنفيذ، لأن المحلل سعى في ذلك وراء الكمال، أو أنه قدم توصيات تتضمن إجراء تغييرات لغرض تحقيق التغيير ليس إلا بزعم أن التغيير بما هو تغيير أيضاً من المستحسن بالنسبة لكل شي ء، لأن الإنسان متطور ينزعج من الرتابة و البلادة في العمل و لذا فالتغيير يكون مستحسناً بما هو تغيير.

و على المحلل إذا وجد أن التحليل الذي هو قيد الدراسة سليماً في إجراءاته و تنظيماته يكتب ذلك في تقريره بدون تقديم توصيات شكلية الغرض منها استبدال أسلوب بأسلوب آخر مماثل له تماماً، إلا إذا كان التغيير مطلوباً على ما تقدم، كما أنه يجب أن يكون المحلل لا يريد التبرير للرؤساء إن ما أنفقوا من الأموال من أجل الدراسة لهذه الوحدة لم تذهب سدى، لأنه قد

الفقه، الإدارة، ص: 85

يرى المحلل أن الهيكل التنظيمي و سائر الخصوصيات على ما يرام، فمن الضروري أن يكون شجاعاً ليقول هذه الكلمة، و إن ظن الرؤساء و من أشبه أن الأموال أنفقت سدى، و من اللازم أن يناقش المحلل التوصيات و المقترحات التي يريد وضعها في تقريره مع رؤساء الوحدات و مع الموظفين، بل مع زملائه المحللين خارج هذا الإطار قبل وضعها في صورتها النهائية، و إن يستمع إلى آرائهم بخصوص هذه التوصيات و المقترحات، و أن يحاول أن يعدل فيها ثغرات و نواقص بوجه عام، فإن على المحلل أن يشعر الرؤساء و الموظفين بأنهم قد

ساهموا بوضع و استنساخ هذه المقترحات و التوصيات و أنها تعبر عن آرائهم و رغباتهم، و هذا من شأنه أن يزيد من اهتمامهم بها و من تحمسهم إلى تطبيقها في المستقبل، و أن لا يتهموا المحلل بالدكتاتورية و الانفرادية و الاستبداد حتى يسري ذلك إلى اقتراحاته، و إن كانت اقتراحاته حسنة و في موضعها، ثمّ من اللازم تقديم هذه التوصيات و الاقتراحات بصورة شفوية أو بصورة كتابية، و من الضروري أن يكون كلاهما على شكل تقرير رسمي إلى رئيس الوحدة و إلى الرؤساء الآخرين، و إلى الموظفين المعنيين، بالإضافة إلى الجهة المسئولة التي طلبت إجراء الدراسة سواء كانت الجهة المسئولة مؤسسات خارجية أو مؤسسة حكومية أو مؤسسة في داخل الإدارة المنشئة.

ثمّ من غير المحتاج إليه أن نقول: أن في كتابة التقارير يجب أن يكون التقرير مختصراً، و يتضمن التوصيات و الاقتراحات اللازمة، و على المحلل أن يتجنب كتابة التقارير الطويلة التي تتضمن تفاصيل غير هامة و التي يكثر فيها الخروج عن الموضوع الرئيسي أو أن يكون التقرير أكثر اختصاراً من القدر اللازم و كذلك يلزم أن يكون التقرير المكتوب واضحاً و يسهل فهمه بما فيه من التوصيات و المقترحات و الآراء، و يكون ذلك بتجنب التعقيدات في كتابة الجمل، و في اختيار الكلمات، بل يكون بالتعبير السهلة البسيطة، و أن لا يكون الاقتراحات بعضها متضارب مع بعض بصورة التباين، أو العموم المطلق، أو العموم من وجه، لأن كثيراً ما يكون المحلل قد يلاحظ الأمر في أشهر متعددة و يكتب فيكون بين مواد تقريره تضارباً من ناحية ما، و هكذا يجب أن يكون التقرير مرتباً و يتحقق ذلك بتجزئة المواضيع التي يحتويها التقرير إلى أقسام و

فقرات تبين المواضع الهامة فيه، و تجعله سهل القراءة على المسئولين حتى يفهموا ما يتضمنه من توصيات (و في المثل المعروف أن تشقيق السؤال نصف الجواب)

الفقه، الإدارة، ص: 86

و هكذا يجب أن يكون التقرير مقنعاً، فالتقرير الذي هو حصيلة الدراسة لا يمكن أن يؤدي الغرض الموضوع من أجله ما لم يستطيع الرئيس الإداري أو الجهة التي طلبت إجراء الدراسة لأهمية ما جاء فيه، و بتنفيذ التوصيات و المقترحات التي تضمنها بدون الإقناع، فاللازم أن يصب الألفاظ بصورة مقنعة و يستشهد أحياناً ببعض الشواهد المألوفة عندهم، فإن من طبيعة الإنسان أنه يقبل الشي ء المألوف و يرفض غير المألوف، و يساعد في عملية الإقناع شرح التوصيات الموجودة في التقارير شرحاً وافياً بين إيجاز مخل و إطناب ممل، و يتضمن التقرير الخرائط و الجداول و الرسومات التي توضح و دعم التقرير و تدعم التوصيات الموجودة في التقرير، و هكذا يجب أن يوضع التقرير بصورة متواضعة لا بصورة الاستعلاء و التكبر و الغرور، فإن من طبيعة الإنسان أنه إذا رأى الطرف مغروراً متكبراً أو ما أشبه أن لا يقبل كلامه، و إن كان كلامه حقا، و في الحدث: (لا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم).

و في القرآن الحكيم: (إِنّٰا أَوْ إِيّٰاكُمْ لَعَلىٰ هُدىً أَوْ فِي ضَلٰالٍ مُبِينٍ) مع العلم أن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) كان يعرف أنه على هدى مائة في مائة، و أن من خالفه على ضلال مائة في مائة.

و من التواضع أن لا يكون في تقريره مخاطباً بالنسبة إلى الطرف الآخر إن تفعل أو لا تفعل، فإن الأوامر و النواهي غالباً تكون استفزازية، بينما إذا خلط نفسه في التقرير بصيغة المتكلم مع

الغير يكون أسرع إلى القبول، مثل أن يكتب: إنا إذا عملها هذا العمل لعله يكون أفضل بالنسبة إلى النتيجة، و هكذا، ثمّ أن من الأفضل أن تكون لبعض التقارير المحتاجة إلى توضيح أكثر ملاحق بالنسبة إلى التقرير و يذكر أيضاً المراجع.

أما الملحقات، فتحتوي على تفاصيل أكثر حول بعض جوانب التقرير، و توضع في نهاية التقرير لأجل اطلاع المهتمين به عليها، و تكون هذه الملحقات على شكل جداول طويلة أو خرائط كبيرة أو رسومات بيانية أو عينت من بعض النماذج.

أما المراجع، فتوضع في صفحة لوحدها، أو تحت كل صفحة من التقرير، و لعل الثاني أفضل، لأنه غالياً الإنسان إذا رأى كلمة راجعها و لا يستعد أن يراجع في الأخير، و يمكن أن تكون المصادر كتباً أو دوريات أو وثائق مختلفة، لكن بالنسبة إلى المراجع العامة يمكن جعلها في الآخر، أو في الأول، و من الملاحظ أن المحلل الإداري يعتمد في حصوله على المعلومات عن المصادر الأولية و قليلًا ما يرجع إلى المصادر الثانوية

الفقه، الإدارة، ص: 87

كالكتب و الدوريات و الخرائط و غيرها، كما أنه من المستحسن أن يوجز التقرير في أول الكتابة أو في آخرها و في آخر الكلام كما نشاهد في الإذاعات من أنها توجز الأخبار في أولها، و في آخرها، و إن كان بين الإذاعة و بين الكتابة فرق واضح، حيث أنه في الإذاعة قد تفوت الأخبار الإنسان فيراجع موجزه في آخره، أو قد لا يكون له وقت فيراجع الموجز في أوله، بينما في الكتاب لا شأن لمثل ذلك.

نعم ذلك يصح في ما إذا كان التقرير مجلدات أو كراسات متعددة.

ثمّ أنه بعد وضع المحلل للتقرير المتضمن للتوصيات و المقترحات تأتي مرحلة تطبيق

و تنفيذ ما جاء فيه، أما عن دور المحلل فقد ينهي المدير أو الجهة المسئولة عمله بمجرد تقديمه للتقرير و قد يطلب منه الاشتراك في وضع التوصيات و المقترحات موضع التنفيذ، و الأفضل الثاني، إذ من المستحسن أن يكون المحلل على اتصال بما يحدث بعد تقديم مقترحاته بصورة رسمية أو بغير صورة رسمية، و أن يقدم الاستشارة و النصائح و الشروط و التفسيرات لما يحتويه تقريره و المشكلات التي قد تتولد من تقريره عند التطبيق، و عليه أن يتتبع ما يحدث من تغييرات في الوحدة التي درسها، و أن يلاحظ إن كانت قد وضعت اقتراحاته و توصياته كلها أو بعضها موضع التنفيذ، و إثر تنفيذ هذه التوصيات على عمل الوحدة التي درست و لا تنتهي مهمة المحلل بمجرد الابتداء بتطبيق و بوضع مقترحاته موضع التنفيذ، بل عليه أن يتفقد و يفحص من حين لآخر الإجراءات الجديدة التي اقترحها ليمنع تسرب أي خطوات غير ضرورية للإجراءات المقترحة و ليتأكد من مدى تحقيق الأهداف التي وضعت التوصيات لأجل تحقيقها، و هل أن التوصيات على صواب مائة في المائة، أو أنها قاصرة بزيادة أو نقيصة أو انحراف أو ما أشبه ذلك، و إذا طلب من المحلل أن يشترك في تنفيذ الاقتراحات و التوصيات، فيقوم في هذه الحال بوضع خطة أو برنامج لتنفيذها محددا الوقت اللازم للانتهاء من كل مرحلة من مراحل التنفيذ، و كذلك، بالنسبة إلى تغيير المكان بالنسبة إلى فروع المؤسسة أو تغيير المكان في نفس المؤسسة، كما ألمعنا إلى ذلك فيما سبق.

عملية اتخاذ القرار:

ثمّ يبدأ بإعادة تنظيم الوحدة و يضع المقترحات موضع التنفيذ حسب البرنامج الموضوع لذلك، و يتضمن ذلك تدريب الموظفين للقيام بالعمل حسب الطريقة الجديدة

و نقلل بعض الموظفين إلى أقسام أخرى أو ترفعهم

الفقه، الإدارة، ص: 88

أو تخفيضهم، و إذا كان هناك تخفيض يجب أن يكون محفوفاً بالمغريات و الملائمات، أو أنه إذا كان هناك فضل و اختيار لموظفين آخرين جدد ليحلوا محلهم يجب أن يكون الفصل مع الرضا، فإنه و إن لم يكن رضى كاملًا إلا أنه يمكن الرضا النسبي، كما أن التنفيذ أيضاً يتضمن شراء أجهزة جديدة أو الانتقال إلى عمارة مناسبة، إذا تطلب الأمر ذلك و بعد إعادة التنظيم يبدأ المحلل في تجربة الإجراءات و طرق العمل الجديدة، و عليه أن يلاحظ مواطن الضعف في الإجراءات الجديدة، و أن يعمل على إصلاحها في حينه، كما يجب عليه أن يراقب الموظفين أثناء تطبيق هذه الإجراءات الجديدة، و أن يتأكد من أنهم يقومون بالعمل حسب الإجراءات المقترحة، و إذا أراد ذلك مالًا فاللازم على الإدارة أن تبذل المال، فإن المال يلين كثيراً من الصعوبات، كما أنه إذا رأى نفسه دون أن يأمر فاللازم أن يتوسل بأصدقاء الموظفين، أو بالرؤساء، حتى يكونوا هم الآمرين، فلا يتأفف الموظف من أمر المحلل، أو من أمر صغير في نظره و تكون النتيجة عدم انصياعه إلى المقترحات و التوصيات.

ثمّ اللازم على المحلل أن يكون رفيقاً في الإجراءات، فلا يضيق الخناق على الموظف أو الرئيس، مثلًا يجعل له وقتاً واسعاً لتغييره المنشود، و هكذا بالنسبة إلى مراعاة سائر الحريات، فإن الإنسان إذا عرف أنه سيد الموقف و أنه حر في عمله انصاع إلى الأوامر أكثر مما إذا عرف أن فوقه سيداً و أنه مكبوت في عمله، و في حديث أن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم قال لبعض: (إن هذا

الدين رفيق فأوغل به برفق فإن المنبّت لا أرضاً قطع و لا ظهراً أبقى) و الأحاديث في الرفق كثيرة ذكرنا جملة منها في كتاب (الآداب و السنن) من الفقه و الله المستعان.

من الأمور المهمة في الإدارة اتخاذ القرار، فهو من الأعمال الأساسية للإدارة، و اتخاذ القرار عمل مستمر للمدير، سواء كان مديراً عاماً أو مديراً متوسطاً أو مديراً في القاعدة، و سواء كان في مؤسسة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها، و معنى اتخاذ القرار اختيار ما ذا ينبغي عمله، و من الذي يقوم بهذا العمل، و متى يكون و أين و كيف؟ و بالآخرة فإن عملية اتخاذ القرارات هي بطبيعتها عملية مستمرة متغلغلة في كل الوظائف الأساسية للإدارة، بل و في الوظائف الفرعية، فإن الوظائف بحاجة إلى التخطيط و التشكيل و التوجيه و الرقابة على ما تقدم الكلام حول كل ذلك، و لا يمكن أن توجد هذه الأمور بوحدها، بل وجود كل واحد من هذه الأمور نتيجة للقرار الذي يتخذه المدير، فإن المدير يقوم بتحديد هدفه

الفقه، الإدارة، ص: 89

و يحاول الوصول إلى هذا الهدف و بدون القرار لا يمكن للوظائف أن تأخذ مكانها، إذ عملية الإدارة لا يمكن أن توجد بدون القرار، و كذلك جزئيات الإدارة، و على هذا فإن عملية اتخاذ القرار تنتشر في جميع المستويات الإدارية، و لا بد أن يقوم بها كل مدير و توج

في كل جزء من أجزاء المنشئة.

مثلًا في التخطيط تحدد القرارات العمل الذي يجب تأديته و السبل التي يتعين اتباعها لإنجاز هذا العمل، و في التنظيم تحدد القرارات نوع العمل الذي يوزع على أعضاء معينين من الجماعة و تفويض القدر المعين من السلطة الذي

يمكنه من القيام بالعمل و جعل قدر كاف من الحقوق لهم من باب مقابلة الواجب بالحق و في التشكيل، تلزم القرارات التي تؤدي إلى تنمية الهيئة الإدارية و اختيارها و تدبيرها، و في التوجيه تقوم القرارات بإقناع أعضاء الجماعة أن العمل المحدد الموضوع هو العمل المناسب لتحقيق الأهداف ثمّ الرقابة عبارة عن مقارنة الأداء الفعلي بما هو مخطط فإن ذلك لا يكون إلا بواسطة قرارات تظهر وجودها أو عدمها، هذا بالإضافة إلى القرارات المتعلقة بالأعمال التصحيحية. و أحياناً يجب اتخاذ القرار في أنه هل يبقون في هذه العمارة أو ينتقلون إلى العمارة الأخرى، أو يفتحون الفرع في هذا البلد أو في بلد آخر، أو أنهم يستخدمون هذا المحلل أو ذاك المحلل، و إلى غير ذلك من الأمور التي كلها تتبع القرارات الإدارية.

و بعضهم عرف القرار بأنه الاختيار القائم على أساس بعض المعايير لبديل واحد من بديلين محتملين، أو لأحد البدلاء في الموضوع، سواء كان البديلين أو الأكثر بين السلب و الإيجاب، أو بين الإيجابيين أو بين السلبيين، مثلًا إنه يريد أن يسافر للتنزه (في مثال خارج عما نحن فيه) فإنه هل يذهب إلى النجف أو إلى كربلاء أو إلى الكاظمية في القرارين الإجابات أو أنه هل يذهب أصلًا للتنزه أو لا يذهب في القرار بين السلب و الإيجاب، أو كان بيده عملان و هو ثقيل عليه فهل يترك هذا أو يترك هذا في القرارين السلبيين، فالاختيار يقوم على أساس بعض المعايير، مثل اكتساب حصة أكبر من السوق أو تخفيض التكاليف، أو توفير الوقت أو زيادة حجم الإنتاج و المبيعات في مؤسسة اقتصادية و كذلك في المؤسسة الصحية، مثلًا يريد فتح مستشفى هل يفتح المستشفى للولادة

أو المستشفى للأمراض المزمنة، أو المستشفى للأمراض العادية، و من الواضح أن المعايير عديدة، لأن جميع القرارات تتخذ و في ذهن القائم بالعملية بعض هذه المعايير

الفقه، الإدارة، ص: 90

و أحياناً يتعارض معياران في ذهنه، فيجب أن يتخذ القرار بين هذا المعيار أو هذا المعيار، و يتأثر اختيار البديل الأفضل بواسطة المعايير المتمركزة في الذهن، و تنطوي عملية اتخاذ القرارات على بديلين أو أكثر، فإن القدرة إنما تكون قدرة إذا كان لها جانبان، أما إذا كان لها جانب واحد فهو ألجأ، و ليس بقدرة، فإن من لا بد أن يكون في الحيز لا يمكن أن يقول اخترت ذلك، أما من يريد السفر و يتحير أن يسافر بالطائرة أو بالسيارة فإنه يحتاج إلى القرار، فإذا لم يكن إلا شي ء واحد فليس هناك من قرار يتخذ و على هذا فإن عملية اتخاذ القرارات هو وجود البدائل أو بديلان أو أكثر، حتى يمكن القيام بعملية الاختيار، و إذا لم يكن هناك بدائل لما كانت هناك مشكلة و ذلك لعدم وجود مجال للاختيار، و ينبغي ملاحظة أنه في بعض الحالات المعينة قد تكون جميع البدائل غير مرضية فيدور الأمر بين ترك كل البدائل إطلاقا أو ترجيح بعض البدائل على بعض، فاللازم أن يتخذ القرار أيضاً بين السلب الكلي أو الإيجاب، و من المعروف أن الوجود الناقص خير من العدم التام، لكن من الواضح أن المراد من الوجود الناقص غير الوجود الضار، و إلا فإذا دار أمره بين الاستمرار في الشركة حتى ينتهي إلى الإفلاس أو أغلق الشركة يكون الوجود الناقص أسوأ من العدم التام، و قد ذكرنا في كتاب الأصول أن مثل هذا الكلام من باب مجاز، إذ

العدم لا يؤثر و لا يتأثر و لا يرجح و لا يرجح عليه و إنما كل ذلك من صفة الوجود، فإن لا شي ء ليس بشي ء حتى يوصف بوصف، و عليه فمن الحالات الأربع المتصورة في الذهن إنما تكون حالة واحدة هي حالة الوجود من الوجود، أما الوجود من العدم أو العكس أو العدم من العدم فكلها محال عقلًا، و هذا بحث فلسفي لا نريد الاستفاضة فيه لأنه خارج عن موضوع كلامنا هنا.

ثمّ القرار عبارة عن حسم بعض و جهات النظر و الآراء المتعارضة، فإذا كانت هنالك آراء فكثيراً ما توجد اختلافات في الرأي أو و جهات النظر أو الأحكام أو الحقائق المتصلة بمشكلة ما، و هنا يجب على المدير أن يتخذ قرارا حتى يمكن المحافظة على فاعلية الجماعة، و اللازم أن يكون اتخاذ القرار غير مزر بالجماعة المخالفة لهذا الرأي الذي اتخذوه فالمنازعات التي يمكن حسمها بواسطة القرارات الناجحة عديدة، مثلًا قد يتخير المدير بين الحقائق و بين الآراء فيرى الحقائق في جانب و الآراء في جانب آخر، و كذلك قد يرى التعارض بين المعرفة و العادة فهل يرجح المعرفة و التي انتهى إليها العلم، أو أنه يتبع العادة الجارية بين الناس، أو أنه يتبع التقاليد النازلة من فوق، أو التطور، أو هل يتخذ الفرصة (فإنها

الفقه، الإدارة، ص: 91

تمر مر السحاب) أو بخاطر من هذه الجهة أو هذه الجهة، و قد يكون الترديد بين طرفين في بعض الأمور و بين أكثر من طرفين في بعض الأمور، مثلًا ذكر علماء الأخلاق أن هناك الشجاعة و الجبن و التهور و الشجاعة وسط بين الآخرين، إلى غير ذلك من الأشياء التي لا بد للمدير أن يقرر

طرفاً على حساب الطرف الآخر، مثلًا قد تكون المشكلة التي تواجه شركة ما هل يستخدم الأجانب (اصطلاحاً) أي ليس من أهل البلد في قبال أهل البلد أو هل يستخدم الكفار في قبال المسلمين؟ فإن هناك طائفتين متخالفتين و أمام المدير بديلان، المؤيدون يذكرن بعض الأدلة لتعزيز وجهة نظرهم (مع اعترافهم أحياناً أن مثل هذا القرار قد يكون خروجاً على تقاليد الشركة أو العرف أو العادة، أو تولد مشاكل الطهارة و النجاسة بالنسبة إلى الكافر) و المعارضون لهذا الاتجاه يقدمون من الأدلة و الآراء ما يبرر موقفهم، و لا يلزم أن يكون أحد الطرفين مغرضاً إذ يكن كل طرف مخلصاً لما يراه نتيجة لاختلاف اجتهاده أو ما أشبه، و القرار الذي يصل إليه المدير لا بد و أن ينطوي على حسم وحل لهذا التنازع و التعارض عن طريق تحديد الاتجاه الذي سيتبعه و هذا الحل قد يمثل رغبات مجموعة المؤيدين أو مجموعة المعارضين تمثيلًا كاملًا أو تمثيلًا جزئياً، و قد يمثل توفيقاً للرأيين و قد يكون القرار مشتقاً من أوجه نظر مختلفة تماماً، و قد يكون القرار خلاف النظرتين جميعاً، و على كل فإن القرار هو الذي يحسم المنازعات أو الاختلافات أو يعين البدائل و الآراء التي تجول في ذهن المدير من دون أن يكون هنالك خلاف في الخارج.

و من نافلة القول، أن نقول: أنه ليس من البدائل ما يخالف الشريعة الإسلامية فيما كان المدير متديناً و يريد قيادة المنشئة على طبق الشريعة الإسلامية، فإن الممتنع شرعاً كالممتنع عقلًا في عدم مكان الاقتراب منه، و إن كان بينهما فرق بأن الممتنع عقلًا ليس بممكن و الممتنع شرعاً ممكن الإتيان به في الخارج.

ثمّ من الواضح أن البدائل

إنما يختار بعضها على بعض على أساس نتائجها المحتملة، و لكن تحديد القيم بالنسبة لكل قرار ينطوي على صعوبات حقيقية علمية و اجتماعية و سياسية و غير ذلك، فهذا التحديد يستلزم إجراء مقارنات تقوم على أساس قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو تربوية أو ما أشبه، و من المحتمل أن يحدث تعارض بين هذه القيم، فتقديم هذا البديل أنفع اجتماعياً بينما تقديم البديل الآخر أنفع سياسياً، و هكذا بالنسبة إلى البدائل الأخر، إذ عادة تكون هناك مظاهر مرغوبة

الفقه، الإدارة، ص: 92

و أخرى غير مرغوبة في كل بديل و هذه القيم المتعارضة يجب الترجيح بينها بطريقة مرضية للمدير، و معنى ذلك أنها توجد عناصر لترجيح في معظم القرارات و القليل جداً من القرارات هو الذي يتميز بالكمال المطلق.

ثمّ أن المدير في عملية اتخاذ القرارات يتعامل مع قيم مستقبلية معظمها مجهول، و من ثمّ لا بد من بذل الجهد لاختيار الأفضل من تلك القرارات في نظره، و مع ذلك لا يمكن غالباً اختيار الأفضل مطلقاً حتى يكون طرف البديل في درجة الصفر أو تحت الصفر، و ما يختاره المدير كأحسن بديل ثمّ قد تثبا الأيام عكس ما رآه بسبب عجزه عن رؤية المستقبل دون خطأ، و لذا نشاهد أن عظماء القادة قد يخطئون أخطاءً تؤدي بحياتهم و بحياة مؤسستهم، سواء في الحكومات، أو في الشركات التي تنتهي إلى الإفلاس، أو ما أشبه ذلك من الأمور الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية أو التربوية أو غيرها، و قدرة المدير على اتخاذ قرار ما يتوقف على نطاق إدراكه و فهمه للمنطقة التي يتخذ فيها القرار، و من ثمّ البدائل بسبب أن معرفة متخذ القرار لا تسمح

له أن يكون على بينه من هذه البدائل المحتملة، و من الأمور الضرورية على المدير في تعيين البدائل قبل اتخاذ القرار أن يستشير و في شعر عن علي (عليه الصلاة و السلام):

(و ترى قفاك بجمع مرآتين).

فإن الآراء تعطي المختلفة للإنسان أوسع آفاق المعرفة كما ورد في الحديث: (أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله).

ثمّ أن جعل القرار محدوداً في وقت أو ما أشبه أفضل من القرار الطويل الأمد حتى يظهر صحة القرار أو زيفه للتجربة الخارجية، مثلًا قد يستخدم فلاناً استخداماً مطلقاً حيث يتردد الاستخدام بين فلان و فلان و قد يستخدمه لمدة ثلاثة أشهر، ثمّ يستخدم الثاني لمدة ثلاثة أشهر أخر في موضع التجربة، و كذلك بالنسبة إلى تسويق البضاعة إلى هذه المدينة أو المدينة الأخرى، فقد يسوق كل البضاعة إلى هذه المدينة و قد يسوق جزءاً من البضاعة إلى هذه المدينة و جزءاً من البضاعة إلى المدينة الثانية، حتى يظهر أيهما أربح إلى غير ذلك من الشئون و الأنشطة لمختلف الأعمال و القرارات و البدائل.

ثمّ أنه كلما كانت البدائل أكثر غموضاً أو الأخطار أكثر أو ما أشبه يكون اتخاذ القرار أصعب، فإن الحالات التي تكون القيم فيها غير واضحة و المعلومات قليلة و الأخطار مجهولة تماماً فإن الحاجة هنا لاتخاذ القرار تصبح بمكانة من الأهمية فاللازم إحالة الرأي و الاستشارة و النظر إلى

الفقه، الإدارة، ص: 93

البدائل المختلفة من جميع أطرافها حتى يتمكن من اتخاذ القرار لترجيح بعض البدائل على بعض و ترجيح البديل قد يكون من جهة وضوح الأفضلية، و قد يكون من جهة أقلية الأخطار في هذا الجانب بينما الأخطار في الجانب الآخر كثيرة، مثلًا هناك احتمالان البقاء

في هذا المكان من الصحراء حيث أخطار اللصوص و السيول و السباع و ما أشبه أو السفر حيث الأخطار أقل، و إن كانت المصارف أكثر من جهة أن وسائل النقل بالليل تأخذ الأجرة الكثيرة المضاعفة أضعافاً، يقدم السفر لأن خسارته المقطوعة أقل من احتمال خسارة المال و النفس و العرض التي يحتملها في البقاء.

ثمّ القرار لا يؤخذ في الفراغ و إنما في الغالب يتخذ القرار داخل حدود و قيود معينة و شرائط خاصة زمانية أو مكانية أو ما إلى ذلك، فمثلًا المركز المالي في المنشئة الاقتصادية قد لا يتمكن من اتخاذ قرار بسبب تطلبه نفقات رأسمالية ضخمة و ليس مرادنا من عدم التمكن عدم القدرة، فإنه إذا لم تكن قدرة لم تكن بدائل، كما تقدم الإلماع إلى ذلك، بل بمعنى أن مثل هذا الرأسمال صعب جداً على المؤسسة، كما أن كل القرارات دون استثناء تتقيد بقدرة العاملين على تنفيذها و لا نريد أيضاً عدم القدرة في قبال القدرة، و إنما القدرة الصعبة و القدرة السهلة، و لذا فإن المدير الحصيف هو الذي يأخذ هذا الاعتبار بالحسبان و كذلك قد تكون القرارات محفوفة بالقيود الاجتماعية أو الحكومية أو أشبه ذلك، فإن الحكومة عن طريق القوانين و اللوائح للتنظيمات المختلفة تضع قيوداً أحياناً كبيرة، و أحيانا متوسطة، و أحياناً صغيرة، و هذه القيود لها وزنها على عملية اتخاذ القرارات الإدارية، كما أنه ربما توضع القيود بسبب الناس، أو بسبب النقابات العمالية أو المنشآت الأخرى أو الشئون الدولية أو ما أشبه ذلك، كما أن في أخذ القرار لا بد من التركيز على الأمور الحقيقية للمشكلة، بأن المشكلة من هنا أو من هناك أو من هاهنا، فإنه يساعد على

اتخاذ القرار لهذه المشكلة في حلها، و قد تقد الإلماع إلى قول بعض العلماء من أن تشقيق السؤال نصف الجواب، و من الأشياء المشتركة في معظم المديرين الناجحين قدرتهم على التقاط العوامل المعينة الأكثر أهمية مع تركيز الجهد المبذول في اتخاذ القرارات على هذه العوامل، فإن موضع المشكلة إذا لم يعين لا يتمكن المدير من اتخاذ القرار، كالطبيب الذي إذا لم يعرف موضع المرض حقيقة أنه هل في الكبد أو في الكلية أو في المعدة أو في الرئة لا يتمكن من اتخاذ القرار بإعطاء الدواء الناجح للمشكلة و كثيراً ما إذا لم

الفقه، الإدارة، ص: 94

يعين موضع المشكلة يكون العلاج سيئاً، بل يوجب اسوئية المشكلة، مثلًا كانت إحدى الشركات تتحمل خسائر لعدة سنوات و من ثمّ لجأت إلى أحد الخبراء لمساعدتها في تحديد متاعبها و بعد التحليل الدقيق لطرق الإنتاج و لتصميم المنتجات و لرقابة الجودة و لظروف العمال و للأسواق و كيفية سير العمل انتهى الخبير إلى ملاحظة واضحة، و هي أن الآلات المتاحة لا تكفي لإنتاج الحجم الضروري لتحقيق الربح المنشد، و لما عولجت المشكلة في موضعها سارت المؤسسة بسلام، فاللازم التركيز على المسائل و العوامل المهمة، و ذلك يبسط إلى حد كبير العمل اللازم لاتخاذ القرارات، و اتخاذ القرار ليس بالنشاط الإداري المنعزل عن سائر الأعمال، بل هو أمر متشابك مع سائر الأنشطة، فهي دائماً تتصل بمشكلة أو صعوبة أو منازعة أو بدائل لا يعرف الإنسان ترجيح هذا على ذاك إلا بعد الإمعان و المعرفة و المداولة و الشورى و ما أشبه ذلك.

ثمّ القرار إنما يكون لتحديد الأهداف و تحقيقها و لاستخدام الموارد المختلفة المتاحة بطريق تعتبر الأفضل في ظل الظروف

المعينة المكتنفة بالزمان الخاص و المكان الخاص و الشرائط الخاصة مما يشعر المدير أنه أفضل لبلوغ هدفه أما مطلقاً أو في أوقات خاصة.

[القرارات أنواع متعددة]

(مسألة) القرارات أنواع متعددة بعضها تتعلق بإدارة و بعضها تتعلق بإدارة أخرى من غير فرق بين الإدارات الكبيرة كإدارات الدولة أو الإدارات الصغيرة كالشركات الصغيرة أو الإدارات المتوسطة كإدارة مدرسة أو معهد أو جامعة أو كلية أو مصح على اختلاف المصحات كدار الولادة أو المستشفى أو المستوصف أو غير ذلك، فيتعين على المديرين اتخاذ القرارات في كثير من مناطق العمل بالنسبة للوظائف الأساسية للمؤسسة، مثلًا بالنسبة إلى مؤسسة اقتصادية تكون هناك أنواع من القرارات:

الأول: القرارات المتعلقة بالأفراد.

الثاني: القرارات المتعلقة بالتمويل.

و الثالث: القرارات المتعلقة بالإنتاج.

و الرابع: القرارات المتعلقة بالإنتاج.

ففي الأول، و هو القرارات التي تتعلق بالأفراد هناك قرارات مربوطة بمصادر الحصول على القوة العاملة، إذ القوة العاملة قد تكون من البلد و قد تكون من خارج البلد حيث الأيادي العاملة رخيصة هنا أو هناك، أو تتعلق بأساليب الاختيار من الأفراد الذين هم لا يعرفون القراءة

الفقه، الإدارة، ص: 95

و الكتابة، أو يعرفونهما أكثر من ذلك يكونون من خريج الابتدائية أو الثانوية أو الكلية أو الجامعة، و كذلك مدى تدريبهم و نوعه و تحرير العمل و تقييمه و طرق الترقية و ترويج وسائل الأمان و علاقته بالجماعات الخارجية و بشركات التأمين إلى غير ذلك من القرارات التي تتعلق بالأفراد.

كما أن الثاني و هو القرارات التي تتعلق بالتمويل- هناك قرارات مرتبطة بالهيكل المالي و بشروط الائتمان و بمقدار رأس المال و بتوزيع رأس المال بين الوحدات الإدارية أو الهيكل التنظيمي العام و بطرق الحصول على الأموال الجديدة و جلبها من المصارف أو من الأفراد

أو من الحكومة أو من المؤسسات المعنية بهذا الشأن، و كذلك بالنسبة إلى توزيع الأرباح و خطط إعادة التمويل و تحديد تكاليف العمليات و الإجراءات و المحاسبية و الاندماج و التصفية و ما إلى ذلك من النثريات و غيرها.

و في الثالث: و هو القرارات التي تتعلق بالإنتاج فهناك القرارات المتعلقة بحجم الإنتاج و حجم المصنع و موقع المصنع و فروع المصنع و التصميم الداخلي للمصنع و طرق الإنتاج جودة أو توسطاً أو رداءة في بعض الأحيان، و إجراءات الشراء و كيفية المخزون المخزن و مدى العمل الفني و أهمية التفتيش و مدى الرقابة المصاحبة لكل المراحل من الإنتاج. و في الرابع أي الفرارات التي تتعلق بالمبيعات فهو مثل تحديد الأسواق و موقع مكاتب البيع، و تغليف المنتجات، و العلامة التجارية المستخدمة، و منافذ التسويق و السعر و الإعلان، و نوع الإعلانات في الصحف أو سائر وسائل الإعلان، كالإذاعات المرئية و اللامرئية و ما أشبه، و طرق مكافآت رجال البيع، و كيفية ترويج المبيعات، و أقسام السوق المستخدمة و مداها إلى غير ذلك. فهذه الأمور الأربعة من الأفراد و التمويل و الإنتاج و المبيعات كلها تحتاج إلى قرارات يجب أن يتخذها المدير أو جماعة من المديرين أو بمساعدة المستشارين و المحللين و ما أشبه حتى تصل السلعة إلى يد المستهلك، و تكون المؤسسة الاقتصادية قد ربحت ربحاً جزيلًا، و هكذا يقال بالنسبة إلى سائر المؤسسات الاجتماعية أو التربوية أو الفكرية أو الثقافية أو الزراعية أو غيرها. ثمّ أن هناك تصنيفاً آخر بالنسبة إلى القرارات حيث أن القرارات على أقسام ثلاثة: قرارات دنيا و قرارات متوسطة و قرارات عليا. فالقرارات الدنيا العادية تجعل بأيدي المديرين في القاعدة،

و القرارات المتوسطة في الأهمية تجعل بأيدي المديرين المتوسطين في الهيكل التنظيمي، أما القرارات الصعبة فإنها تجعل في المستويات العليا

الفقه، الإدارة، ص: 96

من المديرين، و غالباً يحاول المديرون تقليل الشك في قراراتهم الصعبة، و من ضمن محاولاتهم في هذا الاتجاه البحوث المختلفة الأنواع و التي تشمل المواد و المنتجات و العمليات و الأسواق، كما أن التأمين يستخدم على نطاق واسع تفادياً للأخطار المحتملة و كثيراً ما بتعامل المديرون مع عدم اليقين بطريقة نظامية، أي عن طريق تقييم احتمالات حدوث للحدث كما تتضح م استخدام الإحصائيات كلما أمكن ذلك و طريق السير و التقسيم على الاصطلاح المنطقي، و من الواضح أنه ينطوي استخدام نظرية الاحتمالات على وجهة نظر للمدير العام أو المديرين الذين هم في القمة بمشاركة المستشارين و المحللين و غيرهم، فإذا أمكن الحصول على وحدات قياساً للظاهرة فإن نظرية الاحتمالات يمكن استخدامها لتحديد فرص حدوث نتيجة معينة من هذه الظاهرة، مثلًا المخزون يمكن قياسه بواسطة وحدات قياس خاص، فالمخزون الأكثر من اللازم يؤدي إلى تجميد الأموال و ارتفاع نفقات التخزين و التعرض لأخطار التقادم و النفقات التي تصرف للحفظ و الصيانة و من الناحية الأخرى فإن المخزون الصغير الحجم ينطوي على تقليل في المبيعات و الاستخدام غير الكافي للمساحة المتاحة، و ارتفاع نفقة الأعمال الكتابية، فعلى المدير أن يلاحظ مصارف المخزن و عماله و الصيانة و احتمال تقادم المخزون بما لا يجوز بيعه شرعاً، أو يقف دون بيعه، و يلاحظ الأرباح و الخسائر ثمّ يقدم على الإنتاج و التخزين أو الكف عن الأول حتى لا يبتلي بالثاني الذي هو أكثر مصرفاً. ثمّ أن المسئول عن اتخاذ القرار قد يكون فرداً و قد

يكون جماعته، فالفرد فيما إذا كانت لمؤسسة له و الجماعة فيما إذا كانت المؤسسة لجماعة من المساهمين أو جماعة من المشاركين، و اتخاذ القرارات الجماعية يساعد على تنمية أعضاء الجماعة و يمنحهم فرصة إبداء آرائهم بخصوص الأمور التي تؤثر على عملهم، و أحياناً تكون المسائل في الإدارة الحديثة ذات طبيعة فنية مما يجعل من الضروري استخدام الخبراء في هذه المجالات الفنية حتى يمكن الوصول إلى القرار، فهو بحاجة إلى مستشارين و محللين و من أشبه، و في نفس الوقت هذا ينمي في الموظفين و المديرين في القاعدة أو في الوسط روح العكر و مبادلة الآراء (و من الواضح أن الفكر أيضاً ينمو كما ينمو سائر الأشياء) و عند ما تكون المؤسسة الفردية فالفرد متخذ القرار هو الذي يقوم بنفسه بأداء كل هذه الخطوات، أما عند كون المؤسسة الجماعية فإن خطوة إضافية و هي عبارة عن خطوة الاقتراح و البحث و المناقشة

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، الفقه، الإدارة، در يك جلد، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.